محمد بن راشد.. التفكير خارج المألوف

تشهد المسيرة العملية الطويلة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بأنه قائد من طراز استثنائي، وأنه رجل المهمات الصعبة وصانع التميز من قلب المستحيل، وليس هذا الحديث مجرد كلام نظري، بل هو نابع من قلب التجربة والإنجاز بحيث إن الشواهد الدالة على ذلك مما يستعصي على الحصر.

لا بل إن مسيرة مدينة دبي على وجه الخصوص التي رسخت هويتها الحضارية ومكانتها العالمية هي تجسيد للصراع بين حركة التحدي والاستجابة، التي هي إحدى نظريات التفسير الحديث للتاريخ الإنساني الذي يقوم في جوهره على الصراع بين الإرادة الإنسانية والتحديات الحقيقية التي هي الطبيعة الواقعية للحياة بحيث تركت هذه المعادلة أثراً عميقاً في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ونمط تفكيره إلى الدرجة التي يقول فيها: «إن الحياة لا قيمة لها إذا كانت خالية من التحديات».

ولأن طبيعة التحديات نسبية، فإنها تواجه بما يكافئها من العمل والإنجاز، وكلما زادت المخاطر والتحديات زادت حدّة المواجهة وطبيعتها وتكلفتها، ولا يختلف اثنان على أن جائحة كورونا «كوفيد 19» كانت هي التحدي الأكبر الذي واجه البشرية على ظهر هذا الكوكب في الربع الأول من هذا القرن، وأحدث زلزالاً عميقاً في قشرة الحياة وباطنها بسبب ما نجم عنها من المخاطر والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي تركت آثارها العميقة على مجمل الاقتصادات العالمية في الدول الكبرى والنامية على حدّ سواء.

في هذا السياق المحتدم من مسيرة الحياة في وطننا الحبيب، وفي مدينة دبي على وجه الخصوص، كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد قد أعلن قبل جائحة كورونا أن دبي يجب أن تصل بتجارتها الخارجية غير النفطية لتريليوني درهم بحلول عام 2025.

لكن فادحة «كورونا» قلبت الأمور رأساً على عقب على المستوى العالمي، وأطاحت بجميع الخطط التنموية بسب فداحة الخسائر الاقتصادية وضخامة الإجراءات المتبعة لتحقيق شروط السلامة وتعطل حركة الملاحة الجوية والركود الاقتصادي العظيم الذي لم يشهد له القرن مثيلاً، مما دفع بخبراء الاقتصاد ومستشاري صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى القول باستحالة تحقيق هذا الهدف المنشود.

لكن سموه وبما ورثه من خبرة طويلة في مواجهة التحديات كان له رأي آخر أفصح عنه في تدوينة رائعة المحتوى نشرها على حسابه في «إكس» تبدد كل هذه المخاوف وتؤكد حصول المقصود والوصول إلى الهدف المنشود حيث قال:

«في 2020 وقبل أزمة كوفيد، أعلنّا من مجلس دبي هدفاً لتجارة دبي الخارجية غير النفطية لتصل 2 تريليون درهم بحلول 2025، ثم جاءت أزمة كوفيد، فأبلغني الفريق باستحالة تحقيق الهدف نتيجة هذه الأزمة التي ضربت حركة التجارة العالمية».

ففي هذا الجزء من التدوينة يعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن القرار الذي اتخذه المجلس التنفيذي لدبي للارتقاء بحجم التجارة الخارجية واستحداث نوافذ اقتصادية غير نفطية مما يعني تنويع مصادر الدخل على المعهود من سياسة دبي الراسخة في عدم الاعتماد على سلعة واحدة لإدارة عجلة الحياة فيها.

وهو واحد من استراتيجياتها القوية منذ تأسيسها، لكن مجيء كارثة كوفيد وضع هذا الهدف في قلب التحديات، ودفع الخبراء إلى الجزم بعدم القدرة على تحقيق هذا الهدف الكبير في سياسة دبي الاقتصادية بسبب الشلل الذي أصاب حركة التجارة العالمية، لا سيمّا أن دبي هي وجهة عالمية وتعتمد في اقتصادها على هذا البعد الجذري في نشأتها وامتدادها وتطورها، فأصبح من المستحيل تحقيق هذا الهدف الصعب المنال.

لكن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يواجه هذه المخاوف بشجاعته المعهودة المستمدة من خبرته الطويلة فيقول: «علّمتني تجارب الحياة بأن الأزمات هي أفضل وقت للتطوير والتفكير خارج المألوف، أطلقنا العديد من المبادرات وطورنا السياسات وغيّرنا وسهّلنا الإجراءات خلال أكبر أزمة عالمية استمرت قرابة العامين، واليوم وقبل عام من حلول الموعد وصلنا لهدفنا بحمد الله وتوفيقه».

ليضاف هذا الإنجاز الاقتصادي الكبير إلى سجل الإنجازات الكبرى التي حققتها دبي وعلى جميع المستويات تحت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، والذي يتمتع بقدرة فائقة على اتخاذ القرار وتغيير سلسلة الإجراءات في سبيل تحقيق الهدف المنشود بسبب المرونة الملحوظة في إدارة الدولة وعدم التصلب في منطقة واحدة، لتكون النتيجة بالتالي هي تحقيق هذا الهدف الكبير في ظلال أسوأ أزمة عالمية عصفت بالعالم، وأدت إلى خلخلة الاقتصاد وزعزعة أسس الاستقرار وإعاقة حركة النمو.

، لكن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي صقلته التجارب، وأحكمت عوده الأيام ورافق كبار القادة الشجعان في شبابه ظل ذلك القائد الذي لا ينحني للظروف، وهو الرجل الذي يجمع على نحو فريد بين القول والفعل لتظل مسيرته المظفرة في البناء والإعمار مصدر فخر وإلهام لجميع الأجيال تستقي منها عمق البصيرة وقوة الإرادة، وتستلهم منها أروع الدروس في مواجهة التحديات وترويض الظروف والأحوال مردّدة معه عبارته الثمينة التي ختم بها هذه التدوينة البديعة حين قال: «في دبي نقول ما نفعل، ونفعل ما نقول».

الأكثر مشاركة