في يوم الثالث عشر من سبتمبر عام 1993، وفي حديقة البيت الأبيض بواشنطن، تم توقيع اتفاقية أوسلو، أو بالأدق، اتفاقية أوسلو الأولى، بين كل من ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، وبحضور ورعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وعدد من ممثلي دول أخرى. والاسم الرسمي لهذه الاتفاقية، هو «إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي»، وهي اتفاقية سلام، نسبت إلى مدينة أوسلو النرويجية، التي تمت فيها خلال الأعوام السابقة عليها، المحادثات السرية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي انبثقت بدروها عن مؤتمر مدريد الدولي للسلام، الذي عقد عام 1991.
وتعد اتفاقية أوسلو أول اتفاق رسمي للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتتوجه إجمالاً إلى «إنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة»، وشملت عدة بنود ترتبط بهياكل السلطة الفلسطينية وتكوينها، باعتبارها سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني.
ولم تنص هذه الاتفاقية صراحة على أن الهدف النهائي بعد تطبيق كل بنودها، هو تأسيس دولة فلسطينية مستقلة بجوار إسرائيل، ولكنها تضمنت هذا ضمنياً، بالنص في ديباجتها على «أنه آن الأوان لوضع حد لعقود من المواجهات والصراع، والاعتراف المتبادل لحقوقهما السياسية والشرعية، ولتحقيق تعايش سلمي وكرامة وأمن متبادلين، والوصول إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة، ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية المتفق عليها». وقد وضح هذا في البند الأول من الاتفاقية، بأنها تتجه بعد المرحلة الانتقالية إلى «تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338»، وأن المفاوضات حول الوضع النهائي، ستؤدي إلى تطبيق هذين القرارين، بما يحملانه من انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 5 يونيو 1967، ومنها الضفة الغربية وقطاع غزة، اللذان يمثلان 22 % فقط من أراضي فلسطين التاريخية، لكي تقام عليهما الدولة الفلسطينية المضمرة في نصوص الاتفاقية.
وطوال الأعوام التي فاقت الثلاثين، تعثر تطبيق اتفاقية أوسلو، إلى حد أنه لم يبقَ في الواقع العملي منها سوى النذر اليسير، متمثلاً في السلطة الفلسطينية في رام الله، بكل القيود الموضوعة عليها. وبقي وفقاً لهذه الاتفاقية، نموذج قيام الدول الفلسطينية قائماً على أمرين: الأول مباحثات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بما يجعل الإقرار والاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية هو شرط قيامها. والأمر الثاني، أن قيام هذه الدولة لن يتم إلا بعد تفاوض الطرفين، واتفاقهما على ما سمى بالاتفاقية «قضايا الوضع النهائي»، وتشمل «القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية والحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين، وقضايا أخرى ذات أهمية مشتركة».
وإزاء هذا الفشل الذريع لنموذج أوسلو لتأسيس الدولة الفلسطينية، طرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد وقت قصير من بدء الأزمة الراهنة في الأراضي الفلسطينية، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أن يتبع العالم نموذجاً آخر مختلفاً لتأسيس تلك الدولة. ويقضي هذا الطرح – النموذج، بأن يتم الاعتراف الدولي والأممي بالدولة الفلسطينية المستقلة، بأن ترفع الأمم المتحدة عضويتها فيها من «دولة مراقب غير عضو»، والتي حصلت عليها عام 2012، إلى دولة كاملة العضوية في المنظمة الأممية. ومنذ هذا الطرح الجديد المختلف، توالت التصريحات المؤيدة له من عدد كبير للغاية من دول العالم، كان أبرزها مؤخراً، كلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، المعروفتان بتأييدهما التاريخي التقليدي لإسرائيل.
إن تزايد التأييد الدولي لنموذج البدء بالاعتراف الدولي والأممي بالدولة الفلسطينية المستقلة وتطبيقه، سيجعل من مسار التفاوض بينها وبين إسرائيل – وبرعايات دولية متنوعة – هو الأكثر طبيعية بين دولتين عضوتين في الأمم المتحدة، حول «قضايا الوضع النهائي» المشار إليها، ويجعل من التوصل لاتفاقات حولها أكثر يسراً وواقعية، ويبعد رهن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، لا بنتائج هذه المفاوضات، ولا بإرادة إسرائيل وحدها، وقبل كل هذا، فمن شأن هذا أن يهدئ كثيراً من الصدامات الإسرائيلية – الفلسطينية المتتابعة، وأن يفتح أبواباً واسعة أمام تطبيق مقررات الشرعية الدولية المؤكدة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.