ثمة اتفاق بين المفكرين على أن الممارسات المتكررة لدولة محددة ضمن سياقها الداخلي وتناسق خطابها الإعلامي مع خططها التنموية سيكون له تأثير على سلوكها الخارجي بما يشكل في النهاية هويتها ويمكن من خلالها التعريف بها أمام المحافل الدولية، ودولة الإمارات منذ تأسيسها يطبع على سلوكها الداخلي والخارجي: خدمة الإنسان وفق رؤية وضعها مؤسس هذه الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مقولته الخالدة: «الإنسان هو الثروة الحقيقية».

ومع أن الدورة الرابعة من مبادرة «صناع الأمل» التي عقدت، أمس، والتي تكرم فيها إمارة دبي الشخصيات العربية التي لديها أعمال بارزة في خدمة الإنسانية تمثل، توصية مهمة وجديرة بالاهتمام في مجال تحفيز الإنسان العربي بشكل خاص ليس كونه بحاجة إلى إثارة الأمل في نفسه لأنه يفتقدها، وإنما كونه يملك إرثاً ومخزوناً إنسانياً عميقاً خلال فترات زمنية يشهد له فيها التاريخ الإنساني، وأن لديه قدرات ومهارات يستطيع أن يشارك بها باقي شعوب العالم ويثري حضارات الأمم الأخرى، يحتاج فقط من يؤمن به ومن يستكشفها ويعرضها أمام العالم بطريقة بعيدة عن السرد التقليدي. إلا أنها كذلك تؤكد على أن كل الأمم التي حققت نهوضاً تنموياً كان بسبب بالاهتمام بالإنسان والاستثمار فيه وربما هذا سبب رئيسي في استمرار المسيرة التنموية لدولة الإمارات.

وبشكل من التخصيص، ترمز احتفالية «صناع الأمل» السنوية إلى العمق التاريخي والحضاري لهذه الدولة في مجال خدمة الإنسان والإنسانية، فمن جانب هو ليس حدثاً طارئاً بقدر ما هي ثقافة مجتمع لازمته على مدى تاريخه تؤكدها شهادات من عاش في هذه الدولة، كما أنه ليس حدثاً مصطنعاً لأهداف سياسية أو أهداف وقتية وإنما هو برنامج عمل متكامل وراسخ ويمثل الهوية الأساسية لدولة الإمارات ويتم ممارسته بسلوكيات وخطابات على المستوى القيادي، وتؤكده الأرقام العالمية والمؤسسات الخيرية المنتشرة في الدولة وخارجها. ووفق ذلك يكون هذا الاحتفاء السنوي بمثابة تأكيد على أن دولة الإمارات هي المكان الأنسب بل والأفضل في العالم لأن يصنع الإنسان أمله أو على الأقل يحقق حلمه في سعيه نحو تغيير حياته نحو الأفضل وأن يتشارك مع الآخرين «الصناعة» التي رغم أنها تبدو سهلة ولكن الكثير من دول العالم لا تتقنها.

أكتفي بمؤشرين للدلالة على أحقية الإمارات لأن تكون الدولة المناسبة لتحفيز الإنسان العربي على صناعة الأمل: المؤشر الأول: استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «بي سي دبليو» عام 2023 لرأي الشباب العربي كأفضل مكان للعيش والعمل من بين مدن العالم فكانت دولة الإمارات للمرة الـ(12) وجاءت بعدها الولايات المتحدة ثم كندا. والمؤشر الآخر: أن تتواجد أكثر من 200 جنسية في هذه الدولة هو دليل كاف للحديث عن حاضنة إنسانية.

مبادرات الإمارات المختلفة هي مصدر قوي في نقل القيم الإيجابية لتغيير نمط حياة الإنسان بشكل عام وإن كانت هناك مبادرات خاصة بالعرب ولكن في المجمل فهي تصب في الخانة نفسها في وقت تتداخل فيها القيم الإنسانية ويتشاركون فيها، كما أن هذه المبادرات تشكل الهوية الوطنية لدولة الإمارات بأنها دولة رؤيتها العالمية تركز على الإنسان وعليه يكون احتفالنا بها بمثابة سرد لهذه المسيرة وترسيخ لقيمة ملهمة يتمسك بها الإنسان في لحظات التحدي والصعوبات ليعيد شحن طاقته الإيجابية للنهوض والبناء.

إن فكرة مبادرة «صناعة الأمل» بتفاصيلها نموذج للتفاؤل حول مستقبل الإنسان العربي ومستقبل عالمه. وبلا شك أن هذا يُلهم الإنسان على العطاء والإنجاز وبين هذا وذاك مناسبة تتيح للعالم كي يطلع على الإرث الثقافي لمجتمع الإمارات وأحد أسرار استمرارها في نسج قصص النجاح.