يعيش الإنسان عادة وسط مجموعة من الأفراد، تربطه بهم علاقات رسمية وأخرى لا رسمية. طبيعة هذه العلاقات تكون في الغالب مُركبة، إذ تحكمها العديد من العناصر والمُتغيرات المتداخلة، التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في رسم أبعادها، وتُحدد في الوقت ذاته ملامحها العامة.
علاقات الإنسان بالآخرين قد تكون إيجابية أو سلبية، وأحياناً ربما تكون متذبذبة بين الإيجاب والسلب. نحن ومن خلال هذا المقال، لا نستهدف مناقشة تفصيلات هذا الموضوع الواسعة والمتعددة، بل نود التركيز على جزئية الفعل ورد الفعل، ومن الذي يتحمل المسؤولية في حال وجود رد فعل معين من إنسان، مساوٍ بالمقدار، ومعاكس بالاتجاه، لفعل بدر من شخصٍ آخر.
لتوضيح المقصود، دعونا نطرح الموقف الآتي: (س) قام بفعل سلبي، أو ارتكب تقصيراً معيناً بحق (ص)، بالمقابل قام (ص) بتشكيل رد فعل عادل بحق (س). بناءً على ذلك بدأ (س) بانتقاد (ص)، ومهاجمته، وتوبيخه بسبب رد الفعل، من دون أن ينتقد نفسه على التقصير، أو الفعل السلبي الذي بدر منه ابتداءً.
تعقيباً على الموقف المذكور آنفاً، قد يأتي أحدهم ويطلب من (ص) مُسامحة (س) على فعله، أو تجاهل الأمر، من دون أن يطلب من (س) توضيح موقفه، أو تقديم الاعتذار إلى (ص) الذي يُعد ضرورياً أحياناً، علماً بأن الاعتذار في هذا المقام، حتى وإن تحقق في الواقع، إلا أنه في بعض المواقف لا يكفي، إذ ينبغي أن يقترن برد الحقوق إلى أصحابها؛ في حال كان تجاوز (س) على (ص) قد أخلّ بحقوق الأخير. مقال اليوم لا يستهدف التشجيع على مقابلة السلبية بسلبية، بل يستهدف الوقوف بعقلانية وموضوعية إلى جانب الطرف المُتأثر، وعدم إسقاط اللوم عليه في حال قرر تطبيق مبدأ المعاملة بعدالة.
صحيح أن مبدأ المعاملة بعدالة في هذا المقام قد لا يكون مثالياً، إلا أنه بالتأكيد منطقي، ويمكن تفهمه. الطرف المتأثر إن قرر مواجهة السلبية بإيجابية، فلن يجد من يمنعه، لكن إن قرر مواجهة السلبية برد فعل موضوعي، فلن يتمكن أحد من انتقاده، بل إن الذي ينبغي أن يُنتقد هو الطرف المُقصر، أو البادئ بالفعل السلبي، وليس من أبدى رد الفعل. في هذا الشأن يمكننا إيراد مجموعة أمثلة سريعة، وذلك على النحو التالي: أولاً: مدير في مؤسسة، يرأس مجموعة من الموظفين، لا يمارس وظيفة التوجيه بصورة جيدة.
فهو لا يُتقن الاتصال والتواصل الإيجابي معهم، ولا يهتم بنشاط التدريب، كما أنه لا يراعي تطبيق مفاهيم التحفيز. أفعال المدير تمّت مقابلتها بردود أفعال سلبية من قبل الموظفين، إذ بدأت تتولّد لديهم مشاعر سيئة تجاه المدير، كما أن استجابتهم لأوامره أصبحت ضعيفة، ولم يعودوا يراعون الدقة والإتقان في تنفيذ الأعمال التي يرفعونها إليه.
ثانياً: شخص لا يهتم بمن حوله، ولا يُشركهم في أفراحه، كما أنه لا يتذكرهم إلا في المواقف المُحزنة التي يريد من الآخرين أن يشاركوه إياها، ويوفروا له الدعم النفسي. أفعال هذا الشخص تمّت مقابلتها بردود أفعال عادلة وموضوعية من المحيطين به الذين بدأوا يبتعدون عنه بالتدريج، ولا يتفاعلون مع الأحداث التي يمر بها، اعتقاداً منهم أنه لا يستحق بذل الجهد والوقت.
ثالثاً: أستاذ جامعي، لا يمنح طلبته ما يستحقونه من جهد في مجال التعليم، فهو لا يهتم بتطوير ما يمتلكه من معلومات ومعارف، ولا يركز على تحسين طرق وأساليب التدريس التي يستخدمها، كما أنه لا يوظف الترفيه لأغراض جذب عقول وأذهان الطلبة. هذه الأفعال تمت مقابلتها بردود أفعال سلبية من قبل الطلبة الذين بدأوا ينفرون من حصة هذا الأستاذ، ولا يقومون بأداء الواجبات التي يطلبها منهم، كما أنهم قدموا ضده شكاوى للإدارة بهدف استبداله بأستاذٍ آخر أفضل منه. ختاماً نقول .. ينبغي على الإنسان أن يضبط أفعاله مع الآخرين، ويحرص على جعلها إيجابية، تحفيزاً لمن يتعامل معهم على مقابلة الإيجابية بإيجابية.
في جميع الأحوال، من المهم أن يزن الفرد تصرفاته بميزان المنطق، ولا يستغرب من ردود أفعال المحيطين به عندما تكون متوافقة مع أفعاله معهم.