يطلق الإسرائيليون على الحرب، التي دارت في فلسطين بين عامي 1947 و1949 اسم «حرب الاستقلال»، وهو إعلان قيام «دولة إسرائيل» في 14 مايو 1948.
وعلى موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية يتم شرح هذه الحرب، ومراحلها من وجهة النظر الإسرائيلية، فيتم تقسيمها إلى أربع مراحل متتالية: الأولى من 29 نوفمبر 1947 حتى 1 أبريل 1948.
وأثناءها، وبحسب تعبيرات الموقع الإسرائيلي، «أقدم العرب الفلسطينيون على الاعتداء بمساعدة متطوعين من الدول المجاورة» على المجموعات اليهودية، التي استوطنت الأراضي الفلسطينية، وتكبدوا خلالها خسائر بشرية، وواجهوا صعوبات في التنقل والمرور على معظم الطرق الرئيسة في البلاد.
ويحدد الموقع الإسرائيلي المرحلة الثانية بالفترة من 1 أبريل 1948 حتى 15 مايو من العام نفسه، حيث بتعبيراته أخذت ميليشيا وعصابة الهاغانا اليهودية زمام المبادرة، وخلال ستة أسابيع استولت على الأحياء العربية من مدن طبريا وحيفا، ثم صفد وعكا، وفتحت الطريق إلى القدس بشكل مؤقت، وتولت السيطرة على معظم المناطق، التي خصصت للدولة اليهودية، وفقاً لقرار الأمم المتحدة 181.
ويصف موقع الخارجية الإسرائيلية المرحلة الثالثة، التي بدأت في اليوم التالي لإعلان «دولة إسرائيل» في 14 مايو 1948، واستمرت حتى 19 يوليو، بأنها المرحلة الحاسمة في «حرب الاستقلال»، بعد أن دخلت خمسة جيوش عربية نظامية الحرب ضد العصابات اليهودية، التي تحول اسمها إلى «جيش الدفاع الإسرائيلي».
وتأتي المرحلة الرابعة والأخيرة، بحسب الرؤية الإسرائيلية، (19 يوليو 1948 - 20 يوليو 1949)، كي يمسك جيش الدولة الجديدة بزمام المبادرة، ويستولي على مزيد من أراضي فلسطين، بما فيها تلك التي خصصها قرار التقسيم الأممي للدولة الفلسطينية، ولينتهي الأمر بهزيمة الجيوش العربية، وعقدها هدناً عدة مع الجيش الإسرائيلي، وتنسحب جميعها، ويتكلل الوضع بثبات «دولة إسرائيل» على 78 % من أرض فلسطين التاريخية، بدلاً من نسبة 55 % منها التي خصصها لها قرار التقسيم الأممي رقم 181.
ومنذ هذه الحرب خاضت الدول العربية ثم الفلسطينيون حروباً عدة مع إسرائيل، اتخذت جميعها الطابع الدفاعي أو الهجومي المتركز على جبهات القتال، دون أي امتداد للأبعاد السياسية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على أراضيه، التي احتلتها إسرائيل في حرب 5 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ففي كل الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة بدءاً من عام 2008، وقبلها الانتفاضتان الفلسطينيتان عام 1987 وعام 2000، لم يكن قيام دولة فلسطينية مستقلة مطروحاً في تفاصيل الصراع أو في خطوات وإجراءات إنهائه، فقد كان التركيز دوماً على الأبعاد الميدانية والتفصيلية المتعلقة بإيقاف تلك الحروب.
وهنا يكمن الفارق الجوهري بين كل تلك الحروب والحرب الإسرائيلية الحالية الدموية على قطاع غزة، والتي دخلت شهرها السادس، فهذه المرة نجح صمود الشعب الفلسطيني الخارق، والوحشية غير المسبوقة للعدوان الإسرائيلي، ومعهما المخاطر الحقيقية لاتساع هذه الحرب إقليمياً وربما عالمياً، في لفت نظر كل دول العالم إلى أنه لا حل نهائياً في المنطقة والعالم، دون إقامة «دولة فلسطينية» مستقلة بجوار إسرائيل، وأن هذا هو الطريق الوحيد لترسيخ السلام والأمن في المنطقة كلها.
وبذلك وللمرة الأولى تنتج إحدى الحروب الإسرائيلية المتتالية على الفلسطينيين واقعاً سياسياً جديداً يتعلق بموافقة كل دول العالم، عدا إسرائيل الرسمية اليمينية، على ضرورة حل الدولتين، والذي يتضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وللمرة الأولى أيضاً تجاهر دول حليفة تاريخياً لإسرائيل وداعمة لها بلا حدود، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى، بمساندتها لقيام هذه الدولة، بل واستعدادها للاعتراف بها فورياً، وقبل دخول الفلسطينيين في استئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل.
وبذلك يبدو واضحاً وأكيداً لكل عين فاحصة أن طريق قيام «الدولة الفلسطينية المستقلة» قد بدأ بالفعل، وأن هذا القيام أضحى فقط مسألة وقت وليس مبدأ، فهي قادمة قادمة، مما يحول الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة إلى «حرب الاستقلال» الفلسطينية للمرة الأولى في كل الحروب السابقة منذ عام 1948.