لم تمضِ سوى أيام قليلة منذ نشرنا مقالنا الأخير في هذه المساحة بعنوان: «أكذوبة إغلاق مصر معبر رفح»، حتى أكدت الوقائع المعلنة ومن دون لبس صحة كل ما ورد فيه، فقد ذكرنا، ضمن أدلة وبراهين ووقائع تؤكد هذا، زيارة العديد من كبار مسؤولي العالم وفي مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة معبر رفح من الجانب المصري، ولم يتمكن واحد منهم من عبوره لقطاع غزة، نظراً لمنع الجيش الإسرائيلي لهم، أو تخوفهم على حياتهم بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع.
ويوم الجمعة الماضي، أتت الزيارة الثانية للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لمعبر رفح من الجانب المصري، بعد زيارته الأولى له والمشار إليها، في 20 أكتوبر العام الماضي في الأسبوع الثالث للعدوان الوحشي على غزة، وكما جرى في الزيارة الأولى، ألقى الأمين العام من أمام معبر رفح المصري، كلمة للعالم، كانت هذه المرة مختلفة نوعياً عن سابقتها.
وقبل التطرق لأبرز رسائل الأمين العام في كلمته والمؤتمر الصحفي المصغر الذي عقده قبل سفره من مصر بمطار العريش، من المهم الإشارة إلى أنه، وكما جرى الأمر بالضبط في الزيارة الأولى، لم يقم ممثل المنظمة الأممية التي تضم كل دول العالم وتمثل إطاره السياسي والقانوني، بالمرور من معبر رفح من الجانب المصري إلى قطاع غزة على الجانب الفلسطيني.
والواضح والمؤكد أن وقوع قطاع غزة تحت سلطة الاحتلال الواقعي الإسرائيلي وتحكم جيش الاحتلال بكل أسلحته وإمكاناته العسكرية في كامل أراضيه، كان السبب المباشر لعدم استطاعة أرفع ممثل أممي العبور إلى غزة، لتفقد أحوال أهلها المأساوية، قتلاً وجرحاً وجوعاً، وما لحق بها من دمار شامل لكل مقومات الحياة الإنسانية، فحكومة إسرائيل، هي التي منعته واقعياً دخول الجانب الفلسطيني من رفح، والذي يسيطر عليه جيشها كاملاً، وهو ما يؤكد أن دخول الأفراد، وحتى لو كان الأمين العام للأمم للمتحدة، والمساعدات المحمولة على الشاحنات، غير ممكن من الجانب المصري من رفح إلى جانبها الفلسطيني، إلا بموافقة جيش الاحتلال، وهو ما لم يستطع الأمين العام نفسه الحصول عليها في مرتي زيارته لرفح المصرية، أما عن رسائل الأمين العام في أثناء زيارته الثانية لمصر، فهي كانت أكثر وضوحاً وحسماً هذه المرة، فقد أشار إلى المفارقة التي عاينها بنفسه، والتي تؤكد إصرار الحكومة الإسرائيلية على إغلاق المعبر من جانبه الفلسطيني أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى أهل غزة، بقوله: «هناك طوابير طويلة من الشاحنات التي تنتظر في رفح وفي الجهة المقابلة هناك أشخاص يعانون المجاعة»، وذلك بعدما رأى بعينيه الآلاف من الشاحنات المصطفّة في رفح المصرية، تنتظر العبور إلى غزة من دون فائدة.
وأعرب الأمين العام من أمام معبر رفح بمصر عن أسفه لأن «بعض العائلات لا تجد طعاماً في غزة في شهر رمضان»، مؤكداً لهم: «لستم وحدكم والكثير في أنحاء العالم يقف إلى جانبكم، والوقت قد حان لإغراق غزة بالمساعدات لتفادي المجاعة».
وتأكيداً للدور المصري المتواصل والثابت بالوقوف بجانب الشعب الفلسطيني سياسياً ومع أهل غزة إنسانياً، أشاد الأمين العام من أمام المعبر بما أسماه: «الكرم والتضامن من الدولة المصرية والشعب المصري»، مع أهل غزة. وفي هذا السياق، زار الممثل الأممي الأرفع مستشفيات العريش ووحدات الإسعاف برفح، حيث رأى بنفسه للمرة الأولى بعض مصابي العدوان الإسرائيلي الذين يتم علاجهم في مصر، معلقاً على هذا بأنه قد فوجئ «بحجم الإصابات» الذي لم يكن يتوقعه.
ولم يفوت الأمين العام الفرصة لكي يؤكد من معبر رفح المصري المعاني السياسية الرئيسة التي يكاد العالم كله يتفق عليها اليوم، سواء ما يخص الوقف الإنساني الفوري والكامل لإطلاق النار، أو الإجماع الواضح من المؤسسات والدول كافة، على رفض أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية، لأنها ستؤدي إلى كارثة إنسانية، والضرورة القصوى لإدخال المساعدات وإطلاق سراح الرهائن، وإعطاء الأمل للشعب الفلسطيني بإقامة دولته، والرفض التام للتهجير القسري للفلسطينيين سواء داخل قطاع غزة أو خارجه.