يوم استثنائي شهدته الإمارات العربية المتحدة في 16 أبريل الجاري، إذ هطلت أكبر كميات من الأمطار في تاريخ الدولة الحديث، بل هي الأكبر منذ بدء تسجيل البيانات المناخية في عام 1949.

حيث أكد المركز الوطني للأرصاد، أن الكميات القياسية للأمطار، تُعد حدثاً استثنائياً في التاريخ المناخي لدولة الإمارات، وهي نادراً ما يتم تسجيلها، حتى في الدول التي تتعرض للأعاصير، كما أن كمياتها تعادل ما تسجله الدول المطيرة كبريطانيا خلال أشهر، إذ تبلغ كميات الأمطار التي تسجلها بريطانيا على مدار شهر بين 60 ملم إلى 80 ملم، أما كميات الأمطار التي صاحبت الحالة الجوية التي شهدتها الدولة مؤخراً، فقد سجلت أرقاماً قياسية خلال يوم واحد، إذ تخطت 200 ملم في 5 محطات أرضية تابعة للمركز الوطني للأرصاد.

جدير بالذكر أن الأمطار التي سقطت خلال 24 ساعة، تعادل ضعف كميات الأمطار التي تسقط على الدولة خلال عام كامل، والتي تتراوح كمياتها بين 80 ملم إلى 130 ملم.

يمكن القول بأن الأمطار، وغيرها من الظروف المناخية القاسية، يمكن أن تتعرض لها أي دولة في العالم، ولكن يبقى الفارق الذي يميز دولة عن غيرها، هو كيفية التعامل مع تلك الظروف، وطبيعة الاستجابة لها.

من هذا المنطلق، يمكن تشخيص واقع التميز الذي اتصفت به فرق العمل الحكومية المختلفة في الإمارات، والذي تمت ملاحظة ملامحه في عموم مجالات الحياة بالدولة، وذلك منذ بدء سقوط الأمطار، وخلال الأيام التالية.

إن هذا الحدث المناخي الاستثنائي، يشكل فرصة لتوجيه الشكر والامتنان لكل الذين بذلوا جهوداً مخلصة في التفاعل الإيجابي مع الآثار التي ولّدتها الأمطار الغزيرة. شكراً، وجزاكم الله خيراً، نقولها للوزارات والمؤسسات والهيئات التي عملت ليل نهار، من أجل كل من يسكن هذه الأرض الطيبة، شكراً لمُنتسبي أجهزة الشرطة، والدفاع المدني، والمرور، والبلديات، والمستشفيات، والمطارات، والماء والكهرباء، وغيرهم من الأفراد، والفرق التطوعية، ممن اطلع الله سبحانه وتعالى على جهودهم المباركة.

توجيه الشكر والامتنان لمُستحقيه، يمثل استجابة لتوجيهات نبوية عظيمة، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ». «رواه أحمد، وأبو داود، والبخاري».

من زاوية أخرى، تشكل الأمطار الغزيرة التي شهدتها دولة الإمارات، فرصة لتطوير آليات العمل الخاصة بإدارة الحالات الطارئة، الأمر الذي يمكن أن يسهم في رفع مستوى الجودة الخاص بالتعامل مع أحداث مُماثلة في المستقبل، إذ إن جميع الأعمال والمهام والنشاطات قابلة للتحسين والتحسين المستمر.

كما أن الأمطار فرصة لمعرفة أن الظروف الطبيعية لا يمكن الاستهانة بها أبداً، مع أهمية التفكير المُسبق، والاستعداد الدائم لها. في هذا الشأن، يسرد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قصة واقعية عن عاصفة كبيرة كانت ضربت مدينة دبي قبل أكثر من ستين عاماً، تحديداً في ليلة (8 أبريل 1961). قصة هذه العاصفة يمكن الاطلاع على تفصيلاتها في الفصل التاسع من كتاب «قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً»، والذي يحمل عنوان: «عاصفة مثل يوم القيامة».

في نهاية القصة، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «تعلمتُ ألا أستهين بالطبيعة أبداً، وتعلمتُ بعدها أن نكون مستعدين دائماً لأي طارئ.

رغم قسوة العاصفة، إلا أنها أظهرت أنبل ما في أهل دبي، من تعاونٍ وتعاضدٍ ووقفةٍ واحدة وقت الشدة.

وعلى الرغم من كثرة الخسائر، إلا أنني تعلّمتُ كيف يديرُ القائد أزمةً مفاجئة. وأكثر شيء استوقفني، وما زال، أن أبي بدأ بنا نحن أبناءه وأبناء عمّي، لإرسالنا لإنقاذ الغرقى في البحر الهائج، قبل أن يرسل أحداً من عموم الناس. حقاً إن الأزمات تظهرُ معادن الرجال».