يوم الخميس المقبل، يوافق ذكرى رفع العلم المصري بتاريخ 25 أبريل 1982، على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء، باستكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بعد احتلال كامل لها منذ حرب يونيو 1967.

وبقيت بعد هذا الانسحاب قطعة صغيرة من أرض سيناء مساحتها نحو كيلومتر مربع واحد، هي مدينة طابا، تمسك الاحتلال الإسرائيلي بها زاعماً أنها جزء من أرض فلسطين التاريخية التي أضحت ضمن حدود «دولة إسرائيل».

لم يكن تحرير سيناء بعد احتلالها لخمسة عشر عاماً سوى تتويج لإصرار مصر بحكوماتها المتعاقبة وشعبها على تحريرها كاملة، فكانت حرب الاستنزاف الطويلة بعد أيام من عدوان إسرائيل في يونيو 1967، ثم حرب 6 أكتوبر عام 1973 المجيدة، بكل ما رافق هذا من تضحيات ودماء شهداء وجرحى وتعطل كبير لخطط نمو مصر وتقدمها.

ولم يكن ممكناً بعد كل ما بذلته مصر وشعبها، وحرصها على كل شبر من أراضيها، أن تترك هذه المساحة متناهية الصغر بالنسبة لمساحة مصر التي تبلغ مليون كيلومتر مربع تحت الاحتلال الإسرائيلي، فلن تكتمل سيادة مصر إلا بامتدادها على كامل أراضيها، وطابا في مقدمتها.

وتقع طابا بمحافظة جنوب سيناء على رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية من جهة، ومياه خليج العقبة من جهة أخرى، وهي تبعد عن مدينة شرم الشيخ نحو 240 كلم باتجاه الشمال، وتجاورها مدينة إيلات الإسرائيلية على بعد نحو 10 كلم. وبينما استغرق انسحاب إسرائيل من كل مناطق سيناء الأخرى ثلاثة أعوام فقط، استغرقت إعادة طابا بعدها بالجهود القانونية والدبلوماسية سبع سنوات كاملة.

فقد لجأت كل من مصر وإسرائيل إلى ما اتفقت عليه الدولتان في معاهدة السلام التي عقدت بينهما في 26 مارس 1979، التي نصت على أن أي خلاف بينهما حول الحدود يحل وفقاً للمادة السابعة من المعاهدة، التي تنص في فقرتيها على اللجوء في المرحلة الأولى لحل هذه الخلافات لطريق المفاوضات، وهو ما تم بالفعل دون التوصل لأي اتفاق، فلجأتا إلى المرحلة الثانية التي نصت عليها معاهدة السلام، وهي التحكيم، وتوصلتا في سبتمبر 1986 لكل التفاصيل الضرورية لهذه المرحلة.

وخاضت مصر مرحلة التحكيم لاستعادة طابا بنفس روح وعزم وتخطيط ما قامت به في حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف، فتم تشكيل فريق رفيع وكفء ومتخصص، من خمسة وعشرين خبيراً من كل التخصصات التي تستلزمها «معركة التحكيم» لتحرير طابا. وترأس هذا الفريق الدكتور عصمت عبدالمجيد، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية حينذاك، وبعضوية 24 خبيراً، منهم 9 قانونيين، و2 من علماء الجغرافيا والتاريخ، و5 دبلوماسيين، و8 من العسكريين.

واستغرق التحكيم نحو عامين من إصرار الفريق المصري المتواصل والجهد الفائق لتجميع كل الوثائق والخرائط التي تثبت السيادة المصرية على أرض طابا، سواء من الأرشيف المصري أو البريطاني أو التركي أو السوداني أو الإسرائيلي نفسه، فضلاً عن محفوظات الأمم المتحدة في نيويورك.

وفي 30 سبتمبر 1988، أعلنت هيئة التحكيم الدولية في جلسة عقدتها في برلمان سويسرا بجنيف حكمها في قضية طابا، بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد، هو ممثل إسرائيل، بأن طابا أرض مصرية. وفي 19 مارس 1989، رفع الرئيس المصري الأسبق الراحل حسني مبارك علم مصر على طابا المصرية، معلناً: «لقد ارتفع علم مصر على أرض طابا، ولن ينتكس أبداً».

عيد تحرير سيناء الذي يحل في الخامس والعشرين من شهر أبريل الجاري، ومعه «معركة» تحرير طابا ذات الكيلومتر المربع الواحد، ليسا محض واقعة تاريخية مركزية في تاريخ مصر الحديث، لكنهما رسالة بارزة الحروف واضحة المعاني لكل من يهمه الأمر، تتوجه للحاضر والمستقبل: سيادة مصر على كامل أراضيها هي قلب أمنها القومي وكرامتها الوطنية، والحفاظ عليها جميعاً لم يكن ولن يكون مطلقاً موضعاً لمساومة أو تنازل، وفي سبيل هذا فهي –شعباً وحكومة– جاهزة لكل ما يتطلبه هذا الحفاظ مما قد يخطر على البال وما لا يخطر.