بصراحة، لا يمكن أن تطالب الآخرين بسلوك سياسي على المستوى الدولي، وأنت غير ملتزم به، أو على الأقل لست محايداً في ما تتخذه من قرارات في قضايا وأزمات عالمية، مختلف عليها من دول العالم، فبذلك سوف تخلق نوعاً من الغضب الذي يتنامى مع مرور الوقت.
بدأت تحظى نبرة تحيز الغرب عموماً، والولايات المتحدة بشكل خاص، بعدم القبول، بشكل أكبر بين أفراد المجتمع الدولي. بوصف ذلك التحيز سبباً في توتير التعاملات السياسية بين الدول والشعوب، ما قد يفقد مصداقية المنظمة الدولية المسؤولة عن تحقيق العدالة الدولية، وهي منظمة الأمم المتحدة، وعدم احترام قرارتها.
وبالتالي، يسهم في انتشار ما يعرف بشريعة أو قانون «الغابة»، أي فرض قوى سيطرتها على الطرف الأضعف، ما قد يعيد إلى الأذهان حال فترة ما بين الحربين العالميتين، حيث تم تقسيم العالم إلى: دول الحلفاء ودول المحور.
ما جاء في تلك المقدمة، مبنيّ على رصد وسائل الإعلام العالمية الأسبوع الماضي حدثين اثنين، أساءا لدور للأمم المتحدة في أهم مبدأين لهما علاقة في تأسيسها، وهما تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، اللذين قاما على أنقاض كارثتين إنسانيتين، متمثلتين في الحربين العالميتين.
وقد بُني ميثاق الأمم المتحدة على أساس تحسين سلوك الدول التي تسببت في تلك الكارثة، بعد أن فشلت عصبة الأمم في تحقيق العدالة الدولية.
ودشنت النظرية السلوكية في العلاقات الدولية، التي تتلخص فكرتها في أن سلوكيات المؤسسات التابعة للدولة وممثليها في المنظمات الدولية، هي محل تقييم الأجهزة الدولية، وبالتالي، العمل على تعديل تلك السلوكيات، سواء من خلال العقوبات، أو المساعدة في حصول الدول على حقوقها، ومنها: تقرير المصير.
أما عن الحدثين اللذين تم رصدهما، ويعطيان إشارة خطيرة في مسألة «تآكل مصداقية» هذه المنظمة الدولية، فهما: الأول، وربما الأكثر تأثيراً: الفيتو الأمريكي ضد مشروع القرار في مجلس الأمن الدولي، الذي يمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، حيث وافقت 12 دولة من أصل 15، مع امتناع كل من بريطانيا وسويسرا عن التصويت.
والحدث الثاني: تمثل في استقالة عبد الله باتيلي، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا.
إن هذا الفشل في إحداث نقلة، ليس مقتصراً على القضايا العربية، بل إن فشل مبعوثي المنظمة الدولية، يكاد يكون ظاهرة دولية في هذه المؤسسة، منذ أول مهمة دولية للسويدي فولك برنادوت في عام 1948، وصولاً إلى باتيلي.
وهو ما يعكس حال المنظمة الدولية، حيث يتم اتهام المبعوثين بالتحيز، وفقاً لمصالح الدول الأعضاء، خاصة الدول الفاعلة. فلو استعرضنا مثلاً استقالات المبعوث الدولي إلى ليبيا أو اليمن، سنجد أن المبعوث يتحرك وفق مصلحة الدولة التي ينتمي لها، أكثر مما هو محايد.
الخوف من أن تصل المجتمعات الإنسانية إلى قناعة كاملة بأن الوضع الدولي لم يتحسن عن الفترة التي وقعت بين الحربين العالميتين، من خلال سيطرة بعض المطامع لبعض الدول الغربية، على حساب الحفاظ على الاستقرار الدولي، وأن مفاهيم القانون الدولي العام، والقانون الدولي الإنساني، لا تتعدى تجميل تلك المواقف وشرعنتها، وأن حقيقة المواقف الدولية، إما ناتجة عن توازنات دولية في مجلس الأمن، أو وفق مصالح متبادلة بين أصحاب «الفيتو».
الحديث اليوم عن ازدواجية المعايير الدولية، خاصة في التعامل مع قضايا العالم، بدءاً من أوكرانيا، ومروراً بحرب الإبادة لشعب غزة، وأخيراً بمشروع قانون يعطي لدولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وأن الولايات المتحدة هي السبب في هذه الازدواجية، على الأقل من ناحية الفيتو الذي تمارسه ضد أي قرار يتعارض مع مصالحها، أو مصالح إسرائيل.