من يقرأ مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي «رعاه الله»: «الأزمات تظهر معادن الدول والمجتمعات»، يدرك كم أنّ معدن الإمارات غالٍ ونفيس.. الإمارات التي لم تنحنِ يوماً أمام مصيبة، وإنما لطالما خرجت من التجارب الصعبة أكثر قوّة وعزيمة.
كلمات سموّه تختصر حال دبي بعد منخفض «الهدير» الذي كان استثنائياً في عنفه، ولم تشهد المدينة مثيلاً له منذ بدء تسجيل البيانات المناخية عام 1949.
من الطبيعي أن نتعرض للشدائد بمختلف أنواعها، فلسنا في معزل عن العالم ولا نعيش في قوقعة، بل إننا أكثر حظاً من تلك المناطق التي تشهد فيضانات أو التي تتعرض لأعاصير أو زلازل مدمرة أو حتى لبراكين وتسونامي وغيرها من الكوارث، فهذه حال كوكبنا الذي يمرّ بواحدة من أسوأ مراحله التاريخية فيما يتعلّق بالمناخ، نظراً لتأثيرات الاحتباس الحراري وانبعاثات الكربون والغازات الدفيئة، وهو أمر ليس بخافٍ على أحد، وإنّما هو شغل العالم الشاغل، لذلك تُعقَد لمناقشته مؤتمرات دولية كبرى، كان من أهمها مؤتمر الأطراف (COP28) الذي استضافته الإمارات وعقد في دبي أواخر العام الماضي.
جميع الدول تتوقع أنواعاً معينة من الكوارث الطبيعية، وفقاً لبيئتها وطبيعتها الجغرافية وموقعها من تيارات الرياح والضغوط الجوية وبعدها وقربها عن خط الاستواء والمناطق المدارية، وتهيّئ نفسها وبنيتها التحتية لمواجهة الكوارث المحتملة، لذلك كان من المستغرب أن تتعرض دولة الإمارات العربية المتحدة لمنخفض غير مسبوق بهذه الشدّة والعنف، والذي شمل بعنفه أيضاً سلطنة عُمان الشقيقة التي شهدت -بكل أسف- خسائر في الأرواح بسبب السيول الجارفة، وكذلك في المملكة العربية السعودية واليمن، وحتى في باكستان ودول أخرى في المنطقة.
وفي هذا الإطار يؤكد عدد من الأكاديميين والخبراء في التغيّر المناخي أن هذه الكميات غير المسبوقة من الأمطار الغزيرة هي جزء من التحولات المناخية الحادة والاستثنائية التي يشهدها العالم في ظل زيادة الانبعاثات الكربونية القياسية.
ففي غضون 24 ساعة، هطل على دبي أكثر من 142 ملم من الأمطار، بينما يبلغ المتوسط السنوي لهطول الأمطار في دبي 94.7 ملم. كما أنّ كمية المطر التي سقطت في الإمارات يوم 16 أبريل تعادل كمية الأمطار التي تشهدها الدولة خلال عامين، وتعادل أيضاً كمية الأمطار التي تهطل على لندن في 7 أشهر في المتوسط!.
ومن الطبيعي أن نكون غير مهيّئين لمثل هذه الظروف غير المتوقّعة، لكن ذلك لا يعطي الحقّ لبعض الأطراف بأن تشمت بنا وتقول إن «دبي تغرق»، بل كان الأحرى بها أن تأخذنا نموذجاً ومثالاً يحتذى في سرعة التعافي من آثار العاصفة.
فلكم أن تتخيلوا كم مدينة في العالم دُمّرت عن بكرة أبيها بسبب ظروف مماثلة أو كوارث أخرى غير متوقّعة، في وقت استطاعت فيه دبي التصدّي للتحدّيات التي نتجت عن الكارثة بخطوات سريعة وفعّالة، لتحمي سكّان الإمارة وتتجنّب أيّ آثار أخرى خطيرة، فتمّ تفعيل نظام الدراسة عن بعد، وأوقفت حركة مطار دبي الذي يتصدّر المركز الثاني ضمن قائمة أكثر مطارات العالم ازدحاماً للعام 2023، وهي خطوة شجاعة وصحيحة، لتقييم الأضرار وتلافيها وضمان عودة المطار لعمله بكلّ كفاءة وكما هو معروف عنه للقاصي والداني.
وأثبت جنود الصفّ الأول في فرق الاستجابة والحالات الطارئة جدارتهم في التعامل مع الأزمة بكل احترافية ونجاح.
وللتعامل مع آثار العاصفة، وجّه سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، الجهات الحكومية في الإمارة لتطوير خطة استباقية متكاملة لمواجهة الحالات الجوية الطارئة تضمن استعداد دبي وبنيتها التحتية لمواجهة التحديات الناشئة عن الظروف الجوية غير المتوقعة، ورفع جاهزية مختلف القطاعات لمواجهتها. كما وجّه سموّه بدعم المتضرّرين ومساعدتهم في التغلب على تداعيات الحالة الجوية.
في ظلّ هذه الظروف، دعونا نشعل شمعة، ولننظر إلى النصف المليء من الكوب، فهطول الأمطار بهذه الغزارة يسهم في زيادة المتوسط السنوي للأمطار في دولة الإمارات، وكذلك في تعزيز مخزون المياه الجوفية فيها.
كما أنّ هذه التجربة فرصة لنقوم بتقييم الأداء ونضع أيدينا على مواقع الضعف ونرسم خططاً ناجحة لتحسين بنيتنا التحتية وخدماتنا بما يتناسب مع الأزمات المفاجئة وغير المتوقعة. فلنثق تماماً بأنّ «دبي لا تغرق.. ولن تغرق» وإنّما تنطبق عليها مقولة نيتشه: «الضربة التي لا تقتلني تجعلني أكثر قوة»!