الهجرة ظاهرة عالمية، تشغل دولاً ومنظمات دولية لأسباب عديدة، منها ما هو سياسي أو اجتماعي أو أمني أو إنساني، ومنها ما يتعلق بمستقبل الخارطة الاستيطانية على سطح الأرض. ففي الثامن عشر من ديسمبر من عام 2000، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم من كل عام، يوماً دولياً للمهاجرين.
وكانت هذه الجمعية قد أصدرت في عام 1991، وفي مثل هذا اليوم، الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
تصبح الهجرة أحد المحاور المهمة في أية دراسة استراتيجية مجتمعية، حين تفرض أرقامها على أرض الواقع، فذلك يساعد على تقدير أبعاد التغيرات المحتملة التي ستطرأ على واقع المجتمع وتركيبته السكانية والثقافية، ويلقي الضوء على التحولات المتوقعة، اقتصادياً وأمنياً.
لا شك أن للهجرة ما تفرضه، سلباً أو إيجاباً، إلا أن هناك مبالغات في تصور الأعباء والتهديدات التي ترتبط بها، إذ مهما بلغ عدد المهاجرين في أي بلد، فإنهم لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة جداً من سكانه.
إلا أنها رغم ذلك تشكل عبئاً على الدول ذات القدرات الاقتصادية المتواضعة، في حين تختلف الحال في دول أخرى تحتاج إلى استيراد جزء من قوتها العاملة للحفاظ على معاييرها الاقتصادية، واستمرار نمو اقتصاداتها.
الهجرة ليست ظاهرة جديدة، بل هي موجودة على مر العصور، في بقاع عديدة من العالم، وتعني بكل بساطة «الغربة» عن مكان النشأة الأولى، الذي أطلق عليه في ما بعد «الوطن»، إلا أن الاهتمام بها وبتداعياتها على المستوى الدولي، ليس بالبعيد، كما أشرنا.
توسع هذه الظاهرة في العقود الأخيرة من السنين، وفق الأرقام الصادرة عن منظمة الهجرة الدولية، وظهور دراسات علمية رصينة، تتعلق بالتغيرات المناخية الجارية والمحتملة، وما يترتب على ذلك من تغيير في خارطة الاستيطان هنا أو هناك، ضاعف من الاهتمام بهذه الظاهرة وبتداعياتها.
فوفقاً للتقرير الصادر عام 2020 عن المنظمة الدولية للهجرة، بلغ عدد المهاجرين الدوليين الذين غادروا أوطانهم في 2019، نحو 281 مليون نسمة، أي ما يعادل 3.5 % من سكان العالم، مقارنة بنسبتهم 2.8 % عام 2000، ونسبتهم 2.3 % عام 1980.
فعدد المهاجرين عام 2019، زاد بمقدار 128 مليون شخص عما كان عليه عام 1990، وأصبح أكثر من ثلاثة أضعاف العدد عام 1970. ويعيش اليوم عدد أكبر من أي وقت مضى في بلد غير البلد الذي ولدوا فيه، فوفق بيانات الهجرة العالمية، يقيم ما يقرب من 31 % من المهاجرين الدوليين في قارة آسيا، 30 % في أوروبا، و26 % في الأمريكيتين، و10 % في أفريقيا، و3 % في البلدان الجزرية.
الهجرة يمكن أن ينظر إليها من مدخلين مختلفين، أولهما الهجرة الفردية، وهي مما لا يمكن أن نحمّل مسؤوليتها لأحد غير الشخص المهاجر نفسه، سواء كانت الدوافع لذلك مادية أو أمنية أو غيرها. أما المدخل الثاني، فهو يتعلق بالهجرة الجماعية، وهي ظاهرة ليست جديدة، وإن استجدت بعض أسبابها.
فقد كانت الظواهر الطبيعية في الماضي، أحد أسباب الهجرة الجماعية، فالفيضانات أو الجفاف أو انتشار الأوبئة، من الظواهر التي تجبر على الهجرة، حيث الأمان وحيث توافر الماء والكلأ، وكان ذلك قبل نشوء الدول ورسم حدودها، ووضع اللوائح المشددة لتنظيم عمليات الدخول أو الخروج، خلال المعابر البرية أو البحرية أو الجوية بينها.
أما في عصرنا الحالي، فالتحديات الكبرى التي يواجهها النظام العالمي، مثل الفقر وعدم المساواة والتغير المناخي، والصراعات على أسس قومية أو دينية أو مذهبية أو ثقافية أو سياسية، أو غيره، هي التي تكمن خلف ذلك، فالهجرة تخلق ظروفاً موضوعية، تساعد على تغيير نمط حياة الأفراد وأسرهم ومجتمعاتهم نحو الأفضل، أو تخلق في أقل الحالات أملاً لتحقيق ذلك. فهناك هجرة بدافع الاختيار، يلجأ إليها الأفراد، وهناك هجرة قسرية بدافع الضرورة، تلجأ إليها المجاميع الكبيرة.
عبر تاريخ البشرية، كان المناخ هو العامل الأساسي في رسم خارطة الاستيطان، وتعيين حجم الهجرات عبر تقلباته، وفق أهواء الطبيعة. إلا أن هذه التقلبات في توسع، بعد أن أضاف إليها الإنسان، عبر أنشطته غير المسؤولة، الكثير، حيث أصبحت التغيرات المناخية مصدر قلق دائم لكثرة الأدلة على حدوثها، ما يستوجب التهيؤ لتقبل أنماط استيطان بشري جديدة، قد تخلق بدورها تداعيات أخرى، تتعلق بالسلم العالمي.