العزلة الإبداعية

تبدو حياتنا أحياناً محملة بالقلق والواجبات والمسؤوليات، وهذا ما يجعلنا في دوامة مستمرة لا تنتهي، وقد يرغب البعض في الحصول على فسحة للكتابة أو الراحة.

سوف تجد الجميع في دوامة لا تنتهي، وقد يجلب هذا العمل المستمر الكثير من التوتر والقلق، لذلك فإن فكرة العزلة أو الابتعاد عن الناس مهمة جداً، ربما تساعدنا على تصفية أذهاننا، وبالأخص إذا أصبحت هذه العزلة اختيارية، فهي بمثابة الحل الوحيد للمتعة وفهم النفس ومتطلبات ومتغيرات الذات، بمعنى أن يكون لديك وقت من الفراغ، وأن يكون لديك وقت لا تشعر فيه أنك في عجلة من أمرك، أن يكون الوقت متسعاً دون إزعاج، إن نعمة الفراغ لا تقدر بثمن، ولا نعرف كيف نهدره أو نسمح بفقدانه من أجل أن نمضي جل يومنا مع صديقات لا هم لهن إلا التسوق والحديث عن فلانة وفلانة، عندما يعزل الإنسان نفسه عن السياق الاجتماعي لحياته، فقد يستطيع رؤية تأثير هذا السياق على شخصيته بصورة أوضح. يؤيد الكاتب توماس ميرتون موضوع العزلة في كتابه «خواطر في العزلة»: «لا نستطيع أن نرى الأمور بوضوح إلا إذا ابتعدنا قليلاً».

ولو قسنا أهمية العزلة الاختيارية والإبداعية وكيف كانت مهمة جداً في حياة المبدعين، لدرجة أن العظماء كانوا يحثون عليها ومنهم الكاتب فرانز كافكا، والشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون وفرناندو بيسوا والشاعر أبو العلاء المعري وغيرهم، فقد أنتجت أعظم الأعمال في العالم في فترات العزلة، وبالأخص يكون الفرد أكثر إنتاجية عندما يكون بمفرده، لذلك فإن هذه العزلة الإبداعية مهمة جداً، ربما تساعدنا في إعادة التفكير في حياتنا ومحاولة فهم جوانب الحياة المختلفة، ولا يشترط أن تكون العزلة طويلة، فأنت تحتاج إلى الناس، إن هذا الأمر يعد في بعض الأحيان خطأً فادحاً قد تكون له نتيجة سلبية على حياتك الصحية والمهنية، خصوصاً وأن الابتعاد عن الناس فترة طويلة قد يسبّب الكثير من الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والخوف والارتياب، وبالمثل فإن الدخول في علاقات شائكة ومثيرة لا معنى لها قد يوقعك في خطأ فادح، وسوف تصبح في دوامة لن تخرج منها، والحل في الأمور الوسط وعدم التشدد والابتعاد حتى لا نعيش حالة من حالات الرهاب الاجتماعي في حال قررنا العودة لمحيطنا الاجتماعي بعد عزلة طويلة، لذلك لنختار التوازن في اختيار العزلة التي تفيدنا، ولتكن عزلة طواعية يمكن لنا أن نستفيد خلالها ونخطط لحياتنا، لتكن تلك العزلة الاختيارية بمثابة جسر يقودنا إلى الإبداع والابتكار والإنتاجية.