مشاعر الآلات من حولنا!

لم أكن أتوقع أن أعيش إلى عصر صارت فيه الآلة تكلم الإنسان، وتقنعه، وتدهشه، وتصارعه، والأعجب أن تلاطفه وتبادله المشاعر. قبل أيام ذهلنا جميعاً من التحديث العجيب الذي أطلقته شركة «أوبن إيه آي» ليعزز من قدرات الذكاء الاصطناعي (ChatGPT-4o)، حيث صار يوفر استجابة خاطفة لمعالجة اللغات والنصوص والفيديو والصوت.

أصبح يحلل مشاعر المستخدمين ويضحكهم، ويبكيهم، وينكأ جراحهم. أصبحت الآلة كتلة من المشاعر، والأعجب أنها تأتي بنبرة صوت أبعد ما تكون عن «الروبوتية» التي اعتدنا عليها في الأفلام السينمائية.

ما نعيشه فيلم واقعي بمعنى الكلمة، فالإعلان الذي بثته الشركة كشف كيف يصف الذكاء الاصطناعي مزاج المتحدث، وملامحه، وما يحيط به. يمكنه أيضاً التعرف إلى شخص مر مرور الكرام خلف المتكلم، ولا يبوح بذلك إلا بعدما تسأله: هل رأيت شيئاً غريباً خلفي، فيصف من مر بدقة متناهية، وكأنه غذي باللياقة الأدبية التي تمنعه من التدخل فيما لا يعنيه. صارت الآلة تتحلى بالكياسة واللباقة التي انفرد بها بنو البشر عن غيرهم من المخلوقات.

ما رأيناه يؤكد أننا أمام مرحلة مفصلية على جميع الأصعدة، فيمكن استخدام هذه المشاعر وتلك الشخصية العفوية التي تحدثنا عنها في امتصاص غضب الزبائن مثلاً في فندق أو مطعم أو خدمة لم ترتق لمستوى طموحاتنا. وربما ساعدت تلك القدرات المهذبة الآلية على تدريب الشباب الصغار على لباقة التعامل مع الزبائن والمسؤولين وغيرهم، لتتحول إلى دورة مجانية في الإتكيت مثلاً، أو إلى دروس في تطوير المحادثة الإنجليزية أو غيرها من اللغات التي لطالما تمنينا ممارستها. ورأينا كيف قام سلمان خان، صاحب أكاديمية خان الذائعة الصيت، بالطلب من الذكاء الاصطناعي تدريس أحد أبنائه درساً في الرياضيات، وقد التزم موقع «تشات جي بي تي» بتعليمات ولي أمره بتدريسه من دون إعطائه الإجابات.

كانت نبرة صوت المعلم (الآلي) وسرعة استجابته لا تكاد تصدق، فقد كان أداؤه مطابقاً لمعلم حقيقي، وهو ما يفتح لنا آفاقاً في فرص استخدام ذلك في تعليم الناس والموظفين الجدد على قواعد السلامة مثلاً، أو التحاور مع من يشرعون بالانتحار هروباً من بني البشر، فتأتي هذه الآلة لتهدئ من روعه وتثنيه عن قراره.

وهذا يجرنا نحو قضية تقنية استخدام الذكاء الاصطناعي أو تنظيم تشريعاته حتى لا تضر بالإنسان، ذلك أنه سيأخذنا إلى نطاقات لا حدود لها من الدهشة والخوف من تعاضد الآلات ضدنا، فقد نجح بالفعل أحد الموظفين في دفع الذكاء الاصطناعي الذي ينبعث صوته من أحد الهواتف في مواصلة الحديث مع هاتف آخر في حوار مبهر، وتناغم بينهما قل نظيره، الأمر الذي رفع سقف توقعاتنا ومخاوفنا.

قبل فترة قليلة أجرى أحد الجيوش الغربية مناورات عسكرية مع طائرات مسيرة يقودها الذكاء الاصطناعي، ومنح المقاتلين الآخرين خاصية تعطيل نظام (المسيرات) بشكل كامل إذا ما أوشك أن يقع مكروه، غير أن قيادة الجيش لم تعلن عن المنتصر في تلك المناورات العسكرية!

التحديث الجديد لـ«أوبن إيه آي» الذي يدعم 50 لغة، ويشمل تحسينات في التفاعل الصوتي والبصري، وتحليل مشاعر المستخدمين يتوقع أن يفتح آفاقاً غير مسبوقة للتفاعل بين الإنسان والآلة. ومن يقرأ هذا المقال بعد عقود من كتابته في عام 2024، ربما يتبسم ويتعجب من بديهية التكنولوجيا آنذاك، لكن حتى كتابة هذه السطور نحن نعيش ثورة مذهلة، تتخطى كل عجائب الدنيا السبع غيرها من اختراعات.

 

الأكثر مشاركة