تصميم الشيء بناؤه، والعمل على ضبط أبعاده، والاجتهاد في إحكام جوانبه. من هذا المنطلق، يمكن للتصميم الفعّال أن يعبر عن المفاهيم العميقة للتنظيم، التي تتضح ملامحها بشكل عملي من خلال تبنّي أساليب عمل تستهدف الابتعاد عن الفوضى والعشوائية، مع ترسيخ لمعاني الالتزام والانضباط.
عند الربط بين التصميم من جهة، والعمل الحكومي من جهةٍ أخرى، تبرز لنا مبادرة «التصميم الحكومي» التي أطلقتها حكومة دولة الإمارات في مايو 2019، والتي تعد الأولى من نوعها على مستوى الحكومات، لتمثل منهجية جديدة في العمل الحكومي، تتبنّى مبادئ التفكير التصميمي الذي يركز على تطلعات المجتمع واحتياجات أفراده، إلى جانب تعزيز ثقافة التصميم في تطوير وإطلاق مبادرات وسياسات وبرامج تركز على الإنسان، مع تفعيل دوره الاجتماعي والاقتصادي؛ وصولاً إلى تحقيق مستهدفات «مئوية الإمارات 2071».
ترتكز مبادرة «التصميم الحكومي» على أسلوب عمل يعتمد منهجية متطورة لتقديم حلول إبداعية لمختلف التحديات التي يواجهها المجتمع؛ من خلال تصميم آليات عمل مبتكرة تمكن الجهات الحكومية من تضمين التغيير الإيجابي في نهجها، مع تفعيل التصميم كمنهج عملي يستهدف فهم واستيعاب احتياجات الأفراد، بأسلوب يعزز الترابط بين الجهات الحكومية والمجتمع، ويفسح المجال في الوقت ذاته للوصول إلى أفضل أنموذج مؤسسي يواكب متطلبات المستقبل، ويحقق الكفاءة والفاعلية في البيئات الوظيفية والمهنية المختلفة، ويعكس تميز منظومة العمل الحكومي، وريادتها في دولة الإمارات، مع دعم الجهود الوطنية المخلصة استعداداً للخمسين عاماً المقبلة.
ضمن مبادرة «التصميم الحكومي»، أعلنت مؤسسة دبي للمستقبل خلال شهر مايو الجاري عن إطلاق برنامج «القيادة والتصميم»؛ بهدف إشراك مختلف الجهات الحكومية، وفرق العمل في تصميم مستقبل القطاعات الرئيسة، على وفق منهجية يرتكز محورها الرئيسي على تلبية احتياجات وتطلعات المجتمع، ولتكون دبي من أفضل مدن العالم في مختلف المجالات المعنية بجودة حياة الإنسان.
مبادرة «التصميم الحكومي»، تتبنّى أدوات التفكير التصميمي (Design Thinking)، وهو أحد أنماط التفكير التي تستهدف حل المشكلات المعقدة التي لا يمكن معالجتها بالطرق والأساليب النمطية. علماً بأن التفكير التصميمي يعتمد على منهجية تتكون من خمس مراحل متعاقبة، ترتبط مع بعضها بعلاقة تكاملية، إذ لا يمكن الفصل بينها، ولا الاستغناء عن أحدها. جدير بالذكر أن هذا النمط المتقدم من التفكير قابل للتفعيل من خلال جلسات العصف الذهني، الأمر الذي يولّد علاقة رابطة بين التفكير التصميمي من جهة، وكل من التفكير الإبداعي، والتفكير الجانبي من جهةٍ أخرى.
يعبر التفكير التصميمي عن نهج إبداعي شامل لحل المشكلات وتطوير الأفكار الجديدة، وغالباً ما يستخدم في مجال تصميم الخدمـات والسـلع والمنتجـات. يتميز التفكيـر التصميمـي بتركيزه على تحليـل الحاجـات البشـرية، وفهم تجارب المستخدمين والمستفيدين بشكل عميق، مما يساعد في إيجاد حلول إبداعية متكاملة، قابلة للتحويل إلى تطبيقات عملية مبتكرة.
تحقيقاً للفائدة العلمية والعملية، يمكن توضيح مراحل التفكير التصميمي بشكل مختصر ومبسط، وذلك من خلال افتراض وجود مؤسسة تستهدف ابتكار وتصميم خدمة معينة بهدف تقديمها للمتعاملين.
أولاً: مرحلة التعاطف «Empathize»: محاولة فهم احتياجات المتعاملين، من خلال جمع البيانات الأوليّة عن تلك الاحتياجات، واستشارة الخبراء والمتخصصين، والتعاطف مع الأشخاص المعنيين، وتبادل الأدوار معهم؛ وصولاً إلى إدراك دوافعهم، واستيعاب تجاربهم.
ثانياً: مرحلة التعريف «Define»: تحديد أبعاد الخدمة المراد تصميمها؛ من خلال تحليل البيانات المجمعة في المرحلة الأولى، بهدف تحويلها إلى معلومات، مع دعمها بالملاحظات الشخصية، والمشاهدات الميدانية.
ثالثاً: مرحلة التفكير «Ideate»: بدء عملية طرح الأفكار الخاصة بتصميم الخدمة، مع إمكانية توظيف جلسات العصف الذهني، وتقنية سكامبر «SCAMPER»، وغيرها من أساليب توليد الأفكار الإبداعية في هذه المرحلة؛ للتمكن من طرح أفكار مميزة قابلة للتحويل إلى ابتكارات عملية.
رابعاً: مرحلة بناء الأنموذج الأولي «Prototype»: ابتكار أنموذج أولي للخدمة المصممة، بحيث يكون قابلاً للتطبيق العملي بشكل ابتدائي، وغير مكلف، وفي الوقت نفسه يسمح بتحديد نقاط قوة الخدمة، ونقاط ضعفها، ويكون قابلاً للتطوير والتحسين المستمر.
خامساً: مرحلة الاختبار «Test»: في هذه المرحلة يختبر المصممون الخدمة في الواقع العملي، الأمر الذي قد ينتج عنه إعادة تعريف لاحتياجات المتعاملين، أي إعادة مرحلة التعاطف؛ وصولاً إلى جعل الخدمة المصممة في أفضل شكل ممكن.