في عالم يعج بالتحديات المتلاحقة والتغيرات السريعة، يبرز التخطيط الاستراتيجي كأحد أساسيات القيادة الرشيدة والرؤى المستقبلية. وفي صلب هذه القيادات المميزة كان القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قدّم نموذجاً فريداً في مجال التخطيط الاستراتيجي، مصحوباً برؤية واضحة لتطوير دولته ورفع مستوى حياة شعبها. تميز نموذجه بثلاثة محاور أساسية تحدد مفاهيمه الرئيسية.

كان أولها إيمانه الراسخ بأهمية الاستدامة والحفاظ على البيئة، كما كان يعمل بجد لتحقيق توازن مثالي بين التنمية والمحافظة على البيئة. كان يؤمن الشيخ زايد بأن استدامة البيئة هي جزء لا يتجزأ من استراتيجية دولته، حيث كانت الإمارات تسعى دوماً لدعم العمل المناخي وتعزيز التكاتف والتعاون الدولي في هذا المجال. بناءً على هذه الرؤية، نجحت الدولة في تحقيق العديد من الإنجازات الملموسة في مجال الاستدامة، مما يعكس التزامها الحقيقي بحماية البيئة وتراثنا الطبيعي للأجيال القادمة. ونستخلص هذا من قوله: «إن الزراعة هي الأولى وهي الأخيرة، والإنسان لا يستغني عن النبات وكذلك الحيوان الذي يرعى من الأرض وينمو ليستفيد الإنسان من لحمه ولبنه، إذاً فالأصل هو الأرض والنبات للإنسان والحيوان». 

يجب الاهتمام بتطوير الأبحاث الخاصة بزراعة النباتات التي تتحمل الملوحة نظراً لندرة المياه العذبة والعمل على جلب الفسائل التي تلائم البيئة المحلية في البلاد لتنميتها والإكثار من زراعتها؛ لتعم الفائدة منها ويجني ثمارها الوطن والمواطن.

كان الشيخ زايد يعتبر محور التعليم أساس حجر الزاوية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في دولته، حيث كان يركز بشدة على تعزيز جودة التعليم وتوفير الفرص التعليمية للشباب. كان يؤمن بأن النهوض بالتعليم يشكل الأساس للنمو الاقتصادي والاجتماعي، وكان دائماً يحث على بناء منظومة تعليمية مثالية تلبي احتياجات المجتمع وتسهم في تحقيق رؤية دولته للتقدم والازدهار. نتيجة لهذه الفلسفة، شهدت الإمارات تحسنًا ملموسًا في جودة التعليم وتوسعًا في نطاق الفرص التعليمية، مما أسهم في تمكين الشباب وتحقيق تطلعاتهم المستقبلية.

ونجد من أقواله في حق تعليم الإناث: «إن الدولة تنظر باهتمام إلى موضوع التعليم للأولاد أو البنات؛ وذلك لكي تؤهلهم لأداء دورهم في الحياة وفي خدمة وطنهم وأنفسهم. وإنني أتمنى أن أراكن وقد أتممتن دراستكن، وأن تتحملن مسؤوليتكن، وإنني أتطلع إلى اليوم الذي أراكن فيه طبيبات أو مدرسات أو ممرضات. إن الدراسة والعلم تجعلكن تعرفن الحياة بصورة أفضل. وأتمنى لكن التوفيق بإذن الله.

كان محور تعزيز الهوية الوطنية والانتماء المشترك للمواطنين أحد مفاهيم التخطيط الاستراتيجي الذي اعتمده الشيخ زايد، حيث اعتبرها أساساً رئيسياً يجب تعزيزه لتحقيق الاستقرار والتطور المستدام في المجتمع. يأتي نتيجة الدعائم الأخرى. شجع الشيخ زايد الوحدة الوطنية والانتماء الوطني بين مواطني الإمارات، معتبراً أنها المفتاح لتحقيق التضامن والتقدم. بفضل تفانيه ورؤيته الحكيمة، تمكن الشيخ زايد من تعزيز الروح الوطنية والفخر بالانتماء للوطن بين أبناء دولته، مما أسهم في بناء مجتمع قوي ومترابط ينعكس نموه وازدهاره على المستوى العالمي. ويؤكد الشيخ زايد: «إن واجبنا أن نناقش الأمور بصراحة وروية حتى تتضح الصورة وخاصة فيما يتعارض مع المصلحة الوطنية، وعلينا أن نعمل على تغيير ما يجب تغييره إلى الأفضل لمصلحة الوطن والمواطن».

ويضيف: «أتمنى لكم النجاح والتوفيق في دراساتكم العلمية ومواصلة التزود بالعلم والمعرفة، لخدمة وطنكم وتحمل مسؤوليتكم الوطنية».

نموذج التخطيط الاستراتيجي الذي اعتمده الوالد المؤسس الشيخ زايد يظل مصدر إلهام للقادة والمجتمعات حول العالم، ويعتبر مرجعاً لتحقيق التنمية المستدامة وبناء مستقبل أفضل. يمكن للدول تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية من خلال تطبيق مبادئ هذا النموذج. تتبنى الإمارات وغيرها من الدول قيم التعاون والتضامن الدولي لتحقيق الاستدامة في جميع جوانب التنمية، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر استقراراً ورخاءً.