المؤلف عندما يقتحم النقد

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرون هم من الكتاب والمؤلفين ممن انشغلوا بالتفكير في النص، والبحث في جوانبه ونوعه، وأعتقد أن هذه وظيفة النقاد وواحدة من مهامهم، على سبيل المثال هناك عدة مواضيع وقضايا تثار ويتم الحديث عنها ودراستها، ويتم الزج بالمصطلحات والكلمات الرنانة التي تبعد المتلقي العام عن الموضوع، أو تجعله في حيرة تامة، أو كما يقال غير فاهم لما يدور ولما يتم نقاشه، رغم أنه من وجهة نظري الموضوع يمكن تبسيطه وتبسيط كلماته، وأستحضر كمثال قضية أدبية تم طرحها قبل فترة عن النص المفتوح والمغلق، وكان النقاش محتدماً بين الفرقاء الذين يمثل كل واحد منهم مدرسة أدبية أو تياراً نقدياً.

وكحل لمثل هذا النقاش، يرى البعض أن النص المفتوح، يمكن التعرف عليه بسهولة من خلال النص نفسه، فإذا وجدته يأتي من مؤلف معروف ويتوجه نحو قارئ معروف، لكنه لا يحمل معنى واحداً، أو أنه يتعرض لجملة من التفسيرات المتعددة، هنا نكون أمام ما يسمى بالنص المفتوح، أما عكس هذا المصطلح وهو النص المغلق، فقد تم تعريفه من الدارسين بأنه نص قد يكون ضبابياً، قد يكون رمزياً، لكنه وعلى الرغم من هذا فإنه لا يحمل إلا رؤية واحدة، بمعنى أن الجميع يتفقون على معناه ومحتواه دون صعوبات، لعل المثال يوضح هذا الجانب، فعندما تقرأ نصاً علمياً أو قانونياً أو دراسة جغرافية أو تاريخية، فأنت تقرأ شيئاً محدداً وإن اختلف الأسلوب وقوة الكلمات ونحوها، فالمعنى واحد والنتيجة واحدة، وفي مجال الأدب قد تلاحظ النص المغلق في الروايات أو القصص القصيرة التي تحمل طابعاً بوليسياً أو جاسوسياً أو علمياً.

البعض من النقاد ينظرون للنص المفتوح والمغلق في مجال الإبداع الأدبي نظرة مغايرة وبعيدة عن تفاصيله الواسعة، والتي التصقت به منذ أن نبع وتمت ولادته في أوروبا وحتى تم نقله إلينا بواسطة التيار الحداثي التجديدي.

أقول بأن البعض من النقاد يحيطون هذا المفهوم «النص المفتوح والمغلق» بسياج في النص نفسه، بمعنى عندما تقرأ رواية أو قصة قصيرة، وتجد أن النهاية تقبل من القارئ التفسيرات المتعددة، أو أنها نهاية تشبه التوقف عن إكمال النص دون خاتمة على حدث محدد، هؤلاء يسمون مثل هذا النوع بأنه نص مفتوح، لأنه سمح لذهن القارئ بأن يضع الخاتمة وإكمال العمل، فلم يغلق المؤلف النص ويختمه بالضبة والمفتاح كما يقال، بل جعل للقارئ حرية التفكير والاستنتاج والتي قد تكون سعيدة أو حزينة أو نحوها، وكما يقال بالأضداد تعرف الأشياء، فإننا من خلال معرفة النص المفتوح نكون قد عرفنا النص المغلق، وهو ببساطة متناهية أن يقوم المؤلف بوضع نهاية محددة لروايته أو قصته، مثل موت البطل أو انتصار الخير أو نحوهما من النهايات الدقيقة الواضحة المحددة.

هذه رؤية البعض ممن درس هذا المصطلح، وهناك بطبيعة الحال الكثير من الدارسين ممن طرح هذا المصطلح بتوسع، بل لما هو أكبر من هذا الإطار المحدد، وأسوق مثالاً بمدرسة تتبنى رأياً مغايراً تماماً، حيث يرون أن النص المفتوح هو النص الذي لا يمكن لك أن تعرف جنسه الأدبي، بمعنى لا تعرف ما الذي بين يديك هل هو قصة أم شعر أم مقالة، ويسمون هذا النوع بالنص المفتوح، وهناك بطبيعة الحال آراء أخرى، إذاً نحن أمام تعددية في الرأي حول مفهوم ووظيفة هذا المصطلح، فكيف من خلال مثل هذه الحيرة نستنج الأثر والفائدة؟

أجد أن على كل مؤلف وكاتب ألا ينشغل بمثل هذه المصطلحات، فمن غير المهم أن يقال بأن هذا النص مغلق أو مفتوح، ومن غير المهم أن يصنف المنجز الإبداعي، فالقارئ الذي جميعنا نراهن عليه ونحاول بشتى الطرق كسبه وأن يقرأ لنا، فهو غير معني بمثل هذه التفاصيل والجوانب، المهم لديه نص جميل مؤثر يرافقه ويشعر به، وإن اعتبر النقاد أن البعض من الأساليب الكتابية قد تساعد المؤلف على النجاح، مثل كتابة نص مفتوح ومنح القارئ فرصة التحليق والتفسير والشعور بأنه جزء من المنجز الإبداعي، وتشكيل نهايته وفق رغبته.

والذي أنتهي إليه، أن نكتب من أجل الكتابة والتأثير، أما ما يدور من نظريات وآراء نقدية، فلها دارسوها وهذه وظيفتهم، وعلى المؤلف الانشغال بالكتابة نفسها وعمقها، لا نوعها ولا جنسها، فوظيفته أن يؤلف، وليترك للمختصين البحث والدراسة في نصه.

Email