المؤلف العربي والحاجة لحمايته

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما تم حصار المثقف بقضايا ومواضيع كثيرة كانت تشغله وتلهيه عن إتمام منجزه، بل تمنعه في بعض الأحيان عن الكتابة والتأليف، خاصة معضلة الفكرة والبحث عن الجديد الذي يضم التميز والتجديد، مواضيع مثل القفزات العلمية والتكنولوجية وتطور المجتمع، وغيرها، جميعها تضغط على عقل المبدع، لأن عليه أن يتفاعل مع مثل هذا الحراك بنصوص متوازية ومتماسكة أو أن ما سيكتبه يكون قديماً وغير ملهم، بل يجب عليه أن يسبق كل هذا التطور وكل هذا التوهج المعرفي والتكنولوجي، ويجب أن لا ننظر للأفكار وتصيدها وتوظيفها بأنها مهمة سهلة أو متواضعة، فهي على درجة من الحساسية وسرعة الخفوت وكل من احترف الكتابة والتأليف يعلم تماماً عمق هذه المهمة وأهميتها والمدى الذي يصله في المشقة والألم والتعب النفسي.

هناك جانب آخر يضغط على المؤلفين وهو الحديث عن تلاشي عصر الورق أو انتهاء حقبة الكتابة الورقية أمام سطوة التقدم في مجال الاتصالات والثورة المعلوماتية وكل التكنولوجيا التي يتم الزج بها في واقعنا يومياً.

المؤلف والكاتب وفق هذه الآلية ليس عليه أن يطور أسلوبه وحبكته ومعلوماته ويبحث بشكل مضن ومتعب عن الأفكار الملهمة المشوقة، بل عليه أيضاً أن يواكب كل هذا الحراك التكنولوجي وأن يتعلم كيف ينشر ورقياً والكترونياً وصوتياً وصورياً وهو في اللحظة نفسها لا يملك خياراً أو قراراً، فلا يوجد أمامه سوى مسايرة الركب العالمي، ووفق هذه الآلية توقف الكثير من المؤلفين المبدعين أو قل حضورهم، حيث اكتفوا بما سبق وقدموه قبل سنوات من كتب ورقية. بطبيعة الحال ليس المطلوب توقف العالم عن التطور، ولكن المطلوب دعم المؤلفين.

من الملامح التي نراها اليوم في واقعنا وتوضح المدى الذي تغيرت فيه الحركة الأدبية ونشاط تأليف الكتب، قيام دور النشر بنفس أدوار المؤسسات الربحية كهدف أعلى ووحيد لا تختلف عن أي متجر، فيما مضى كانت هناك رسالة تصغر حيناً وتكبر حيناً آخر بأن دار النشر لها دور معرفي وهام في المجتمع، ومن أجل تحقيق هذه الغاية تتوجه للربح المادي لسد العجز والصرف على مشروعها المعرفي النبيل. 

اليوم باتت الصورة أكثر ملوحة ولكنها أكثر وضوحاً، ولتحقيق هذه الغاية استخدمت البعض من دور النشر المؤلف وكأنه مندوب مبيعات ليروج لكتابه، ورغم أن مهنة مندوب المبيعات محترمة وجميلة، لكنها ليست مهنة للمؤلف والكاتب، ولا يجب عليه أن يقوم بأدوار الآخرين من أجل الترويج لمنجزاته الأدبية والإنسانية، المثال أوضح في معارض الكتب، فقد تم تجاوز حفلات توقيع الكتب، ليقف المؤلفون في دار النشر يستوقفون المارة من زوار المعرض لتقديم نسخ من كتبهم موقعة ويقدمون نبذة عنها لتشجيع القراء لاقتناء – شراء - كتبهم، ولا تستغرب إذا مررت بدار نشر وشاهدت شباباً وفتيات في مقتبل العمر يصطفون وهم يحملون كتبهم أمام الزوار على أمل أن يجتذبوا أكبر قدر من القراء – المشترين – وبالتالي هناك تحول في دور معرض الكتاب ورسالته ليصبح مماثلاً للسوق الاستهلاكية ولا أكثر.

هذه الحالة التي نشاهد فيها مؤلفاً وهو في بداية مسيرته نحو الكتابة والتأليف دون شك كانت بضغط وطلب وإلحاح من دار النشر لتعويض خسارتها المزعومة عند طبع ونشر الكتاب، فرضخ المؤلف للقيام بدور ليس دوره وتنفيذ مهمة ليست من مهامه، حرصاً على علاقة بناءة مع ناشر يراهن المؤلف عليه بأن ينجح في تقديمه للساحة الأدبية.

الضغط على المؤلف والكاتب ليس في كل الصراخ بأننا نعيش في زمن التكنولوجيا الحديثة، وليست أمام المطالبة بأن يكون ملماً بالتطبيقات الحديثة على الهواتف الذكية لاستخدامها للترويج لمنجزاته، وعضو فاعل ونشط في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن ينشر أفكاره وتعليقاته على تلك المواقع ليلتقطها سارق ويعيد كتابتها ويروجها باسمه في حساباته التي تضم عشرات الآلاف من المتابعين، وتجد تفاعلاً وإقبالاً ومديحاً لا يتوقف، وفجأة تجد من هو أبعد ما يكون عن التفكير الإبداعي والأدبي، بات نجماً كبيراً يشار له بالبنان، والمؤلف الذي يتعب في قراءة الكتب وتوليد تلك الأفكار، يشاهد هذه المسخرة في سرقة حقوقه الفكرية ولا يحرك ساكناً بل لا يستطيع تحريك شيء، وهو مطالب أن يكون له حسابات نشطة على تلك المواقع، وعليه أن يجيد استخدام وتحميل برامج وتقنيات مختلفة، ثم يسمع هذا المؤلف بأن الذكاء الاصطناعي قادم وسيقوم بكتابة القصص القصيرة والروايات الأكثر إبداعاً، وسنستغني عن التأليف البشري.

لقد تم الضغط على المؤلفين والكتاب، وإشغالهم وإضعاف دورهم، ولا زالت عملية الحط من مكانتهم والتقليل من دورهم وعدم الحماس لسن القوانين لتصنيفهم ودعم آمالهم بأرضية قانونية قوية تحميهم في عالمنا العربي تحديداً مستمرة.

Email