رحلة الإنسان في الحياة الدنيا مختلفة، بقدر ما يحمله من قيم سامية أو أحقاد هالكة، ولكن لو استرجع الإنسان أصله، وكيف الله قدره ورفع من شأنه بالعقل عن سائر المخلوقات، واستخدم ذاك العقل في التفكير السليم في مجريات الحياة التي تعتبر رحلة نهايتها الدار الآخرة، لكان بعقله وعمله وأخلاقه وبذكائه سعيداً في الدارين، لأن الندم لا ينفع في نهاية المطاف، فقد يكون أغلق باب التوبة، وهو ما زال غافلاً، وفي طغيانهم يعمهون، والظلم ظلمات يوم القيامة، وقد خاب من حمل ظلماً، والمظلوم يسعى جاهداً بكل السبل أن يعيش في الحياة كسائر البشر، ولكن تعبثون بحياته.
ويمضي هو مظلوماً، يجاهد ليعيش، ويستسلم في نهاية المطاف إلى تلك الابتلاءات التي قدرت له من شر النفاثات في العقد، ليجد نوراً ينبثق منه يهديه بأن الأجر مخبوء هناك بعيداً، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، لماذا يفتقد البشر الإنسانية التي قدرت وخلقت للتفاهم والعيش والوئام والسلام، ليعيشوا بقلوب كالحجارة أو أشد قسوة، وكأن الحياة الدنيا مكان للخلود الأبدي، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، هكذا هي الحياة، دار عبور، فاعبر وأنت تترك أثراً خالداً، بصمة لا تمحوها ذاكرة العقل والمكان، اسكن في قلوب البشر، وارتوِ من أنهار الدعاء التي تسكب عليك الطمأنينة، وتنام قرير العين، يغشى وجهك الرحمة والرضا والنور، وكأنك بلسم يمسح جروح من يلتقي به.
والسيرة العطرة والذكر الطيب، سجل حافل لك في عقول البشر وقلوبهم، أيها الظالم، قف وامنح نفسك برهة التفكير بأنك ظلمت نفسك قبل أن تظلم البشر، لأنك أهنتها بالسواد وقبح الذكر، ولنفسك عليك حق في صونها وتقديرها، لتعيش عزيز النفس، قدرت ذاتك بطيب القول والفعل، الدنيا عند الله لا تساوي جناح بعوضة، وأنت في حرب فيها مع نفسك والبشر، والعمر يمضي كسراب نلهث خلفه، نرتجي السعادة، ونسينا أن السعادة منك وفيك بحسب ما تعمل وتحمل، بقدر ما سطرت في كل صفحة من كتاب حياتك، لتجده إما في يمينك يسيراً إلى جنة عالية، أو في شمالك عسيراً إلى جحيم وأغلال.