البشرية تتجه نحو الغباء!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

صدرت العديد من البحوث تؤكد أن الإنسان القديم في العصور السحيقة كان أكثر ذكاء من إنسان اليوم، ويرجعون السبب إلى أن طبيعة الحياة التي كان يعيشها الإنسان في تلك الحقب تتطلب منه التفكير ملياً بكثير من الجوانب الحياتية، فمن البحث المتواصل عن الطعام وصولاً إلى الحماية المستمرة من الحيوانات المفترسة والضارية، وأن سبب قلة التجمعات الإنسانية في تلك الحقب جعلته متنبهاً ومتحفزاً ومتيقظاً بشكل دائماً مستخدماً حواسه بشكل مكثف ودائم، وهذا الاستخدام جعل الحواس في دينامكية دائمة وعدم تباطؤ، صحيح أن التفكير كان ينحصر في أمور نراها اليوم متواضعة لكنها في تلك الحقب كانت أموراً عظيمة وجديرة بالاهتمام مثل موضوع الطعام والبقاء على قيد الحياة.

 إنسان اليوم وفي عصرنا الحالي اتسعت به المجتمعات وتزايدت أعداد الناس بشكل مكثف، ولم يعد هناك داعٍ للتفكير في كيفية الحصول على الطعام والغذاء، بل إن كثيراً من الناس يعيشون في روتين واعتيادية قاتلة وتكرار ممل، فاليوم مثل الأمس وغداً سيكون مثل الذي قبله ولا جديد، وبالتالي انحصر التفكير وانخفض لمستوى متدنٍ جداً.

قرأت قبل فترة من الزمن عن نظرية علمية تبين أن معدل الذكاء بين البشر في تراجع مستمر وبوتيرة تدريجية، وصاحب هذه النظرية هو الدكتور جيرلاد كرابتريه، الأستاذ في جامعة ستانفورد الأمريكية وعالم في مجال التطور الإحيائي، وقد قام بنشر نتائج دراسته حول هذا الموضوع في مجلة «تريندس إن جينيتكس»، ومما جاء فيها أن الإنسان كان بحاجة شديدة لقدراته العقلية عندما كان يتجول في مجموعات صغيرة في البراري للبقاء، ولكن أهمية الذكاء تراجعت مع بدء الإنسانية ممارسة الزراعة والاستقرار والعيش في مجتمعات أكبر، وإن ذكاء الإنسان يعتمد على نحو 2000 إلى 5000 جين، وأن البشر بعد تطور الزراعة باتوا يعيشون في مجموعات أكبر تدعم الأفراد الأقل ذكاء.

الإنسان الذي لم يكن يستخدم عقله في السابق لم يكن قادراً على تغذية نفسه أو حمايتها من الحيوانات المفترسة، فالبشر الأكثر ذكاء كانوا هم الأقدر على البقاء، وهو ما أدى إلى تزايد نسبة الذكاء البشري بشكل دائم، لذلك لو زارنا مواطن من اليونان القديمة فإن هذا المسافر عبر الزمان سيتفوق علينا كثيراً في الذكاء، وسيكون أسرع بداهة وأفضل ذاكرة، ورجحت هذه الدراسة أن تكون البشرية قد خسرت من مستوى ذكائها تدريجياً على مدى 120 جيلاً السابقة، أي على مدار نحو 3000 سنة.

أعتقد أن هذه الدراسة والعشرات من مثيلاتها تبين لنا فداحة الخطأ الذي ارتكب بحق الإنسان القديم عندما كان يوصف في بعض الكتب وعندما تصوره لنا الأفلام السينمائية بأنه إنسان غبي متخلف، والواقع كان مغايراً لكل هذا التسطيح، لكنني أجزم في كل الأحوال أن الإنسان سواء في ذلك العصر أو في العصر الحديث هو سيد نفسه وهو الذي يقرر أن يكون بعقلية مفكرة ومستنتجة أو إنسان سطحي لا يملك إلا ترديد ما يقال له. ذلك أنني أؤمن بقوة العقل الإنساني وتفرده وتميزه، لكن المشكلة دوماً في تغذيتنا لهذا العقل وطريقة تفكيرنا، إنه بحق لأمر مخيف أن تكون البشرية في طريقها نحو الغباء!!

Email