اتصال الإنسان مع ماضيه

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحاجة والفضول البشري هما ما يقف خلف بداية علم الآثار ثم تطوره منذ القدم وحتى عصرنا الحاضر، حيث يرجع الكثير من العلماء في هذا المجال نمو هذا العلم والاهتمام به إلى الإنسان نفسه الذي كان يسرد الحكايات عن الماضي ومولعاً بالقديم ومعرفة الأحداث التي سبق ومرت به.

وكما هو واضح فإن هذا العلم بدأ كوصف مجرد، ومع أن البدايات كانت تعتمد على النقل الشفوي وتناقل القصص، إلا أن هذا العلم ومنذ القدم شهد عمليات منظمة لرصده ونقله إلى الأجيال التالية، وهذه الجهود أيضاً بدأت منذ حقب زمنية غابرة جداً، وهناك من يستحضرون الشاعر اليوناني القديم هوميروس، ويعدونه مؤسس علم الآثار لأنه قدم ملحمة الإلياذة والأوديسا، خلالهما وصف بعض الأحداث والمواقع والتي كانت سابقة لزمنه، ثم يتوقفون عند المؤرخ الإغريقي ثيكوديدس والذي يقدر أنه توفي عام 395 قبل الميلاد، وهو الذي كتب وصفاً تاريخياً عن الإغريق وهندسة البناء والملابس والأثاث، ثم المؤرخ اليوناني بلوتارك الذي توفي عام 46 قبل الميلاد، حيث كتب كتباً عدة مثل كتابه الأخلاق، والذي كان متنوعاً في مجالات حياتية عدة ومنها الآثار، أما ستربون الذي توفي عام 19 قبل الميلاد فيعتبر أنه هو من وضع لبنات متقدمة في مجال علم الآثار، ففي كتابه الجغرافيا وصف تاريخي واقتصادي وجغرافي للبلاد في الإمبراطورية اليونانية.

 ويعتبر العلماء أن هذا الكتاب الضخم الذي يقع في نحو سبعة عشر مجلداً مرجعاً حتى اليوم لكل من يتوجه نحو علم الآثار. كتابات ومؤلفات الإغريق في هذا المجال استمرت وساهمت في علم الآثار مساهمة واضحة مثل الرحالة بوزانياس، في القرن الثاني الميلادي، حيث كانت في تلك الفترة موجة من اهتمام الإغريق بتراثهم وبكل ما قدموا للحضارة البشرية، وما يميز كتاب هذا الرحالة أنه كان يوصف الآثار الموجودة بدقة دون أي تعليقات منحازة أو بعيدة عن لب الموضوع.

في القرن الرابع عشر الميلادي، تزايد الاهتمام بعلم الآثار ولكن بجهود فردية، دون إطار علمي أو منهج واضح لعلم الآثار، حيث كانوا أفراداً يميلون للبحث والاهتمام بالآثار دون علم مؤطر يسيرون على نهجه وبالاعتماد على ترتيباته العلمية. ثم تصاعد الاهتمام بهذا المجال إلى تنظيم وتكوين الفرق والبعثات وإرسالها للبحث عن المقتنيات الأثرية وإنشاء المتاحف. يعتقد البعض أن علم الآثار مجاله البحث والحفر والتنقيب هنا وهناك بحثاً عن المقتنيات القديمة وحسب، والحقيقة أنه أعمق، حيث يتم من خلاله نشر الدراسات والبحوث العلمية لكل ما يتم نبشه من الآثار، والتي تعمل على كشف أسرارها وفك طلاسم الغموض التي يكتنفها ووضع الاجابات على الكثير من التساؤلات، الأثر كما هو وبشكل مجرد قد يساء له من خلال عدم معرفة تاريخه ولا الحقبة الزمنية التي يمثلها، لكن الدراسات العلمية تعمل على الإجابة على مثل هذه الأسئلة.

علم الآثار، علم عريق وضارب العمق في التاريخ البشري، وهذا يدل على أهمية التراث للإنسان، بل واتصال هذا الانسان مع ماضيه، وهو ما يعطي دلالة واضحة على أن الحاجة لمعرفة الماضي والاستفادة من التجارب السابقة حاجة فطرية لدى كل واحدا منا.

Email