ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن إدارته. انطلاقاً من هذا المبدأ الإداري، تأتي عملية قياس الأداء التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجال العمل المؤسسي، وكذلك على مستوى الأعمال الفردية للأشخاص بشكل عام. عملية القياس ينبغي أن تتم من خلال مؤشرات مُحكمة، يمكن الاعتماد عليها في الحصول على نتائج رصينة.

تعبر مؤشرات الأداء عن أدوات تساعد في قياس مدى تحقق النتائج المرغوبة، والمطلوب الوصول إليها في المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، وتتم عملية القياس من خلال تفعيل الأدوات الرقابية المتمثلة بمتابعة أداء النشاطات ذات الصلة بالأهداف المبتغاة. علماً بأن المؤشرات تعمل على تحويل الأهداف إلى صيغة يمكن قياسها رقمياً؛ وصولاً إلى معرفة مدى دقة وفاعلية عمليات التنفيذ، حيث يعبر المؤشر عن دلالة رقمية أو إحصائية.

تؤدي المؤشرات دوراً عميقاً في قياس أداء المؤسسات، وضبط اتجاهاتها، وفي تعميق مبدأ التنافسية مع محيطها البيئي. إلى جانب دورها في تأصيل روح التنافس بين حكومات الدول المختلفة؛ الأمر الذي يمكن الاستفادة منه في تحديد مراتب التميز التي تتمتع بها تلك الحكومات. في هذا الشأن حققت دولة الإمارات قفزة جديدة في التقرير السنوي للتنافسية العالمية 2024، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية في مدينة لوزان السويسرية، متقدمة 3 مراتب إلى المركز الـ7 عالمياً، بعد الإنجاز الذي حققته في العام الماضي بدخولها قائمة الدول الـ10 الكبار في التقرير، متقدمة على النرويج وأيسلندا واليابان وكندا وفنلندا. وجاء أداء الإمارات متميزاً في مختلف محاور التقرير بعدما حلّت بالمركز الثاني عالمياً في محور الأداء الاقتصادي، والمركز الـ4 في محور كفاءة الحكومة، والمركز الـ10 في محور كفاءة بيئة الأعمال.

تصنيف

ويصنف التقرير السنوي للتنافسية العالمية الدول التي يشملها حسب أربعة محاور رئيسة، و20 محوراً فرعياً، تغطي 336 مؤشراً تنافسياً في مختلف المجالات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، في قطاعات الكفاءة الحكومية والتعليم والابتكار وغيرها، وتقدمت دولة الإمارات في تقرير هذا العام في جميع المحاور الرئيسة الـ 4. وساهم أداء دولة الإمارات الإيجابي في حلولها بالصدارة العالمية، في أكثر من 90 مؤشراً من مؤشرات التنافسية العالمية في التقرير، والتي تأتي ضمن محاوره الرئيسة والفرعية.

حصدت دولة الإمارات المرتبة الأولى عالمياً في 11 مؤشراً ومنها مؤشر قلة النزاعات العُمالية، ونسبة القوى العاملة، ونسبة التوظيف، والنمو الفعلي لنفقات الاستهلاك الأسري، والمرتبة الثانية عالمياً في 9 مؤشرات منها نسبة إيرادات السياحة، ونسبة تمثيل الإناث في البرلمان، ونسبة نمو القوى العاملة الوافدة، وقدرة سياسة الحكومة على التكيُف مع المُتغيرات وغياب البيروقراطية.

ريادة

وحلّت الدولة في المركز الثالث عالمياً في 6 مؤشرات، منها انخفاض النسبة المئوية للضرائب المُحصلة على رأس المال والمُمتلكات، ومرونة قوانين الإقامة، وإدارة المدن، ونسبة فائض الميزانية الحكومية. وجاءت في المركز الرابع في 12 مؤشراً، منها انخفاض تضخم أسعار المستهلكين، وانخفاض البطالة على المدى الطويل، وتوافر الخبرات العالمية، والنمو الفعلي للإنتاجية الكلية «معدل القوة الشرائية»، واللوائح التنظيمية للعمل، ونسبة رصيد الخدمات التجارية من الناتج المحلي الإجمالي، والنسبة المئوية للعمالة في القطاع الحكومي.

وحققت دولة الإمارات المركز الخامس عالمياً في 13 مؤشراً، منها الناتج المحلي الإجمالي «معدل القوة الشرائية للفرد»، وجودة النقل الجوي، والبُنية التحتية للطاقة، والخريجون في العلوم، والإجراءات اللازمة لبدء النشاط التجاري، وتشريعات البطالة، والأجانب ذوي المهارات العالية، والثقافة الوطنية، ومُعدل البطالة، وقلة التهرُب الضريبي.

جدير بالذكر أن التقرير السنوي للتنافسية العالمية، نُشر لأول مرة في عام 1989، ويصدر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية ومقره في لوزان في سويسرا، ويعتمد ثلث منهجيته على آراء رجال الأعمال وثلثاه على بيانات إحصائية، وهو تقرير سنوي يغطي 67 دولة، ويعد بمثابة نقطة مرجعية عالمية حول القدرة التنافسية لدول العالم.

ختاماً، وتأكيداً على قيمة التنافسية في عالمنا المعاصر، نود أن نستشهد بما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في كتاب «ومضات من حِكمة: أقوال وحكم مختارة لمحمد بن راشد آل مكتوم»، إذ يقول سموه: «لا بد أن تكون لدينا الروح التنافسية القوية مع الدول والأمم الأخرى. متى فقدنا هذه الروح بدأنا في التراجع». وفي موضعٍ آخر من الكتاب ذاته، يقول سموه: «إن لم تكن في الطليعة فأنت في الخلف. إن لم تكن في المقدمة فأنت تتنازل عن مكانك الطبيعي لصالح منافس آخر ربما كان أقل منك مقدرة واستعداداً وإبداعاً».