التاريخ يحمل المعلومات والحلول

لقد فهم الإنسان منذ فترة زمنية ليست قليلة أن الأوبئة والأمراض الفتاكة تنتقل من خلال التلامس والتجمع البشري، وقد تكون هذه المعرفة مكلفة وكان الحصول عليها جسيماً جداً، وأقصد أن في تلك الفترات الزمنية لم تكن هناك معامل ولا مختبرات متطورة لتحليل الجراثيم والفيروسات ثم تخرج بنتائج من خلالها تعلن التوصيات والحقائق الطبية والعلمية والتحذير من طرق وأسباب انتقال هذه الفيروسات لذا كان من البديهي أن الحصول على مثل هذه المعلومات والحقائق ذو ثمن باهظ جداً ومكلف، وهي الملاحظة ودراسة انتشار الوباء ورصد الوفيات، ثم الخروج بالاستنتاجات، ومن هنا فهمت البشرية أن الفيروسات تقضي على الإنسان من خلال التلامس والتجمع، وهي حقيقة تطلب الوصول لها الملايين من الضحايا البشرية.

من كتاب حمل عنوان: عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور، من تأليف كل من: سوزان سكوت؛ مؤرِّخة اجتماعية متخصِّصة في علم إحصاءات السكان، وباحثة بكلية العلوم البيولوجية بجامعة ليفربول وكريستوفر دنكان، الأستاذ الفخري في علم الحيوان بجامعة ليفربول. جاء النص التالي: «كان دانييل ديفو قد أشار إشارة ثاقبة الفكر إلى أنه في طاعون لندن العظيم عام 1665 بسبب الطبيعة المعدية للمرض، لعله كان ينتشر عن طريق أشخاص يبدون أصحَّاء في الظاهر ويؤوون المرض، إلا أن الأعراض لم تظهر عليهم بعد، كان يُعد مثل هذا الشخص في الحقيقة سامّاً ومدمراً، يتحرك ربما لأسبوع أو أسبوعين قبل مماته، والذي ربما يكون قد دمر أولئك الذين كان سيجازف بحياته كي ينقذهم... ناقلاً الموت إليهم، ربما حتى بقبلته وأحضانه الحانية لأطفاله».

يتضح من هذا أنه، على الأقل في القرن السابع عشر، فَهِمَ الناس البيولوجيا الأساسية للطاعون، وبالأخص، النطاق الزمني الذي يمكن أن ينقل المصابُ المرضَ خلاله، والخطر المحدد للعدوى الرَّذاذية إن فهمهم لهذا دونَ المعرفة الطبية الحديثة يكشف بشدة عن قدرتهم على الملاحظة الموضوعية. ومع ذلك، سار الناس عكس المنطق السليم تماماً على مدار القرن العشرين بأكمله؛ فقد جرى الاعتقاد دائماً وعلى نحو قاطع بأن كافة الطَّوَاعِين كان سببها مرضاً يصيب القوارض يُدعى الطاعون الدَّبْلِي، وأن العدوى كانت تنتقل من الفئران إلى الناس عن طريق البراغيث.

 إن الفئران والبراغيث هي الاعتقاد الراسخ في كافة كتب التاريخ اليوم بكل أسف لم ينتبه الناس جيداً إلى ملاحظة ديفو. لا أعلم إن كنتم شعرتم وكأن النص الذي ورد على لسان دانييل ديفو، في عام 1665 كأنه يتحدث عما كان يعانيه العالم مع فيروس كوفيد 19 في 2020م وهو ما يعني أن هنا فترة زمنية تقدر بـ355 عاماً على الأقل فهمت البشرية طبيعة انتشار الفيروسات وانتقالها، ومع هذا نرى كل هذا التساهل من البعض في أخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب الإصابة، بل إن البعض يشكك في طبيعة الفيروس وطريقة انتقاله، وفي نهاية المطاف تزايد أعداد المصابين، التاريخ يحمل كنوزاً ومعلومات ثمينة ولا تقدر بثمن، ولو أننا فعلاً درسناه وتمعنا في ما يحمله من مصادر وكشوف فإننا سنختصر على أنفسنا الكثير من الويلات والمصاعب والعقبات.