تابع كثيرون من المصريين والمهتمين بالشأن المصري، الانعقاد الذي تم في القاهرة خلال يومي السبت والأحد الماضيين لمؤتمر الاستثمار المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبي.
والذي أسفر سواء في فعالياته وكلمات المسؤولين من الجانبين به أو سواء في نتائجه، عن تقدم غير مسبوق في التعاون بين مصر والاتحاد الإقليمي الأكبر في العالم.
والدلالات السياسية والاقتصادية لهذا المؤتمر عديدة ونتائجه ستكون بالغة الأهمية بالنسبة للاقتصاد المصري وتطوراته خلال الفترات القادمة سواء القصيرة أو المتوسطة. ولعل أبرز هذه الدلالات ما جاء في كلمة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في افتتاح المؤتمر، بعد أن ألقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كلمته الافتتاحية والترحيبية.
فمن ناحية أولى، بدأت رئيسة المفوضية كلمتها وأنهتها بالإشادة بما تحقق بين الاتحاد الأوروبي ومصر خلال مئة يوم فقط منذ توقيع الإعلان السياسي بين مصر والاتحاد الأوروبي لمستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة في 17 مارس الماضي،.
فبتطبيق هذا الإعلان في مؤتمر القاهرة، تصبح اليوم، وبحسب عباراتها «مصر وأوروبا أقرب من أي وقت مضى». بهذه الإشارة، وبما تحقق في المؤتمر الأخير، تتضح إشادة رئيسة المفوضية بما استطاعت مصر بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي تحقيقه في هذه الفترة الوجيزة.
ومن ناحية ثانية بدا واضحاً، ليس فقط من مجريات وإجراءات المؤتمر، ولكن من نص كلمات رئيسة المفوضية، الأهمية التي يعطيها الاتحاد الأوروبي لمصر ودورها عموماً وخلال المرحلة الحالية المضطربة خصوصاً، وهو ما أكدته مجريات ونتائج المؤتمر.
فبصورة لا تحتمل الجدل ولا المجاملة، افتتحت رئيسة المفوضية كلمتها بأن «مصر هي بوابة لأوروبا بين أفريقيا والشرق الأوسط وبين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهادئ والهندي لذلك استقراركم وازدهاركم ضروري للمنطقة بأكملها».
والأرجح أن هذه الحقيقة الجيوسياسية المعروفة، لم يكن لها أن تلعب هذا الدور القوي والسريع في توجهات الاتحاد الأوروبي، سوى بالنظر للتطورات الكبيرة التي اجتاحت المنطقة عموماً منذ الربيع العربي عام 2011، ثم خصوصاً ما يحيط بها حالياً من مخاطر جمة وحقيقية بسبب الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة، وفي الحالتين تأكدت هذه الحقيقة الجيوسياسية الخاصة بمصر.
وتبدو الدلالة الثالثة مرتبطة بمجريات ونتائج المؤتمر ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية والتجارية فقد حضره من الجانب الأوروبي ممثلون لأكثر من 1000 شركة أوروبية خاصة، بحثاً عن فرص استثمارية في مصر، كما أوردت رئيسة المفوضية في كلمتها. وقد تأكد عمق واتساع التعاون على الأصعدة الاقتصادية والمالية غير المسبوق في علاقات مصر بالاتحاد الأوروبي.
مما أعلنه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في نهاية المؤتمر، من أنه شهد توقيع 29 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة 49 مليار يورو مع الشركات التابعة للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى 6 اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 18.7 مليار يورو مع تحالفات وشركات أخرى غير تابعة لدول الاتحاد، ولكن هدفها هو التصدير إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى الصعيد الرسمي، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية عن تقديم الدفعة الأولى من الحزمة المالية والاستثمارية وقدرها مليار يورو، من الإجمالي المقرر تقديمه من الاتحاد لمصر وقدره 7.4 مليارات، ذلك بالإضافة إلى تعبئة استثمارات أوروبية حكومية جديدة لمصر بقيمة 1.8 مليار يورو تخصص للقطاعات الاستراتيجية التي حددها الطرفان أثناء توقيع الشراكة الشاملة في شهر مارس الماضي.
وتعني هذه الحزم الكبيرة غير المسبوقة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم أنه على الصعيد الاقتصادي والتجاري والمالي المحض غير المرتبط بالوضع الجيوسياسي لمصر، فإن هناك فرصاً حقيقية واعدة للاستثمار الأوروبي في مصر، وأنها باتت تمتلك من المقدرات والهياكل الضرورية لمثل هذا الاستثمار، ما يشجع القطاع الخاص الأوروبي على القدوم إليها بلا تخوف أو تردد.
وهو ما وصفته رئيسة المفوضية في كلمتها الافتتاحية بأنه منذ توقيع الشراكة الشاملة في مارس الماضي، كانت الاستجابة التي أظهرها القطاع الخاص الأوروبي للاستثمار في مصر، «هائلة».