رجل المهمّات الجسيمة

قبل ثلاثة وخمسين عاماً إلا أشهراً قليلة، وتحديداً في السادس عشر من ديسمبر من عام 1971، وفي ظلال الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، تمّ تعيين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وزيراً للدفاع في الدولة الطالعة مثل شمس الصباح في جزيرة العرب المجيدة.

وكان أصغر وزير دفاع في العالم حين كان عمره اثنين وعشرين عاماً، وظلّ في هذا المنصب السيادي منذ ذلك الحدث التأسيسي الكبير في مسيرة الدولة حتى اليوم الكبير في تاريخ الوطن 2024/7/14 حين تمّ الإعلان عن تعيين سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، نائباً لرئيس مجلس الوزراء، ووزيراً للدفاع في حكومة دولة الإمارات، باختيار من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ليصعد هذا السيف المصقول من رجال الدولة إلى هذه السُّدّة العالية بين رجال الوطن بعد أن تلقى تدريباً إدارياً وعسكرياً مكثّفاً على عين والده الكبير، حين عهد إليه بولاية العهد في إمارة دبي في الأول من فبراير عام 2008م، وكان قبل ذلك قد استلم رئاسة المجلس التنفيذي لإمارة دبي في سبتمبر عام 2006م، والذي يتولى وضع وتنفيذ ومتابعة الخطط التنموية الاستراتيجية الشاملة لإمارة دبي، ليكون بحسب عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هو العضيد والسند والقائد الذي يحبّ الناس ويحبّه الناس.

إنّ منصب وزير الدفاع هو أحد أخطر المناصب السيادية في جميع الدول، وهو المنصب الذي يتلقاه المكلف به بغير قليل من اليقظة والشعور العميق بالمسؤولية الكبرى تجاه الوطن وأبناء الوطن، فهو في جوهره العميق يعني حمل المسؤولية المباشرة عن حماية الوطن والدولة والشعب، وهو بحسب عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الرادع للأعداء الخارجيين والضامن للتماسك الداخلي لا سيما في دولة مثل دولة الإمارات.

والتي اختارت منذ مرحلة مبكرة نظرية الموازنة بين القوة العسكرية للدولة وبين القوة التنموية لها، فالجيش مهمّته الكبرى الانخراط في صناعة الحياة وحمايتها، والإسهام الفاعل القوي في النهضة الشاملة للوطن، فكم خسرت الدول كثيراً من منجزاتها بسبب ضيق الرؤية وانسداد الأفق في عقلها العسكري، وهو ما تسعى دولة الإمارات إلى تجنّبه وطرح مسار مخالفٍ له يكون فيه وزير الدفاع مسؤولاً عن الأمن الوطني الشامل عسكرياً وتنموياً.

وتعبيراً عن هذا اليوم المجيد في تاريخ الوطن، وتأكيداً على أهمية هذه الخطوة كتب صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد تدوينة ثمينة على حسابه توجّه فيها إلى أبناء شعبه الوفي قال فيها: «الإخوة والأخوات: بعد التشاور مع أخي الشيخ محمّد بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله، وبعد مباركته واعتماده، واستمراراً للتطوير المستمر في هيكلية حكومة دولة الإمارات، نعلن اليوم عن تشكيل وزاري جديد في الدولة كالتالي: انضمام الشيخ حمدان بن محمد لحكومة الإمارات نائباً لرئيس مجلس الوزراء، وتعيينه وزيراً للدفاع في الإمارات... حمدان عضيد.. وسند.. وقائد يحب الناس.. ويحبه الناس، وثقتنا كبيرة بأنّه سيشكل إضافة كبيرة لحكومة الإمارات، ومساهم رئيسي في صياغة مستقبل دولة الإمارات بإذن الله».

إنّ هذه التدوينة الثمينة هي مِرآةٌ صادقة تعكس طبيعة الحكم في دولة الإمارات، فكلّ شيء يتمّ إنجازه بالتفاهم والثقة العميقة بالقادة الذين تلقّوا تدريباً طويلاً على شؤون الإدارة والحكم، كما تعكس قوّة الثقة التي يوليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لسمو الشيخ حمدان وهو يتولّى هذه المناصب العليا في الدولة في هذه المرحلة الزاهرة من مسيرة الوطن، فسمو الشيخ حمدان المشهور بحبه للفروسية وقربه من الناس بسبب ما حباه الله من كرم الأخلاق ولطف التعامل فضلاً عن مكانته الشعرية المشهود له بها بين شعراء جيله، وهو قبل ذلك كلّه وبعده خريج مدرسة ساند هيرست العسكرية في بريطانيا التي هي أعلى المعاهد العسكرية في العالم، وفيها تتدرب النخبة من القادة العسكريين، فجاء تعيينه في هذا المنصب السيادي الكبير تعبيراً عن مبلغ الثقة بقدراته العسكرية وتقديراً لروح الفروسية التي تسكن في أعماقه.

فهو فارسٌ وارثٌ لكلّ معاني الفروسية، ويتمتع بفروسيّة أخلاقية نادرة استقاها من معلمه الأكبر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي ينظر إليه المجتمع الإماراتي كنموذج فذّ في القيادة وصنع التنمية، وهو عميق الإحساس بقيمة هذا الإرث الذي ينظر إليه بعين الإكبار والإجلال، ويرى في والده النموذج والقدوة في الحكم والإدارة، ويرى نفسه امتداداً واعياً أصيلاً لمدرسة الحكم في دبي التي تمتد لفترة بعيدة لكنها بلغت مجدها وتأثيرها مع طيب الذكرى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، الذي بنى دبيّ الزاهرة في ظروف في غاية الصعوبة، واقتحم كثيراً من العقبات والتحديات وغرس في نفوس أبنائه نمطاً فريداً من العزيمة والجسارة كانت هي المسؤولة عن النقلة الحضارية الرائعة لمدينة دبي.

إن سمو الشيخ حمدان بن محمد في نظر والده الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هو ذلك السهم الرابح الذي لا يخيب، وحين نذكر هذه العبارة «السهم الرابح» نتذكر تلك القصيدة البديعة التي كتبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تعبيراً عن ثقته الراسخة ومحبته الصادقة لهذا الفارس المهيوب من فرسان آل مكتوم، وذلك في واحدة من المناسبات العزيزة على قلب صاحب السمو حين فاز سمو الشيخ حمدان بواحد من أفضل سباقات الخيل في العالم، أعني سباق دبي فكتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد قصيدة بديعة بهذه المناسبة قال فيها:

إنته على ذوقي رسمتك معاني

وعوّدتني (حمدان) تحقيق الآمال

ما كلّ كفٍّ تروم قبض العِنان

ولا كلّ فارس يركب الخيل خيّال

إنته عليك إذا أراهن رهاني

يا سهمي الرابح على كلّ الأحوال

إنّ هذا المقطع المتميز من هذه القصيدة البديعة هو الخلاصة العميقة لنظرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لسمو الشيخ حمدان، فهو قد رباه على القيم العربية الأصيلة، وسقاه من شراب الفروسية أصفى الكؤوس، وغرس فيه المناقب الحميدة التي تلقاها آل مكتوم كابراً عن كابر، ولقد كان سمو الشيخ حمدان عند حسن ظن أبيه، فلم يخيّب له ظناً بل جاء فوق الظن، وكان قرة عين لفارس مكتوم، وحقق له كل الآمال المعقودة عليه، وفاز بالرهان عليه في خدمة الوطن فكان هو السيف في يد والده، والعضيد الذي لا يخيب له سهم، والفارس الذي يرعى شؤون إمارته.

والقريب من أبناء شعبه الحبيب إلى نفوسهم، وكم هي المواقف الكثيرة التي تعكس أصالة هذا القائد الشاب الذي يتواضع لأبناء شعبه ويخفض لهم جناحه، وربما يمازحهم في بعض الأحيان تطييباً لقلوبهم، وتعبيراً عن محبته الصادقة لهم، مستلهماً في ذلك سيرة والده القائد الإنسان الذي أحبّ هذا الوطن وأعطاه أفضل ما يمكن لقائد أن يُعطي وطنه، فكان مكانه في أعمق نقطة من قلوب شعبه الذي يثق به ويبادله هذا الحبّ الصافي الذي تتميز به مسيرة الحكم في الإمارات منذ لحظة التأسيس إلى هذا اليوم السعيد.

إنّ تعيين سموّ الشيخ حمدان في هذه المناصب القيادية العليا في حكومة الإمارات هو تتويجٌ لثقة رئيس الدولة ونائبه، وهي الّتي تؤكّد النظرة الثاقبة لوالده فيه والذي قال ذات يوم في مناسبة أخرى في حقه حين فاز في بطولة أخرى من بطولات دبي:

في السباق العالمي والله عطاه

فوز بالتوفيق مبْ حظ ونصيب

به فرح حمدان وأنا أنظر جداه

ونظرة الوالد تراها ما تخيب

ويشهد كلّ صادق الانتماء لهذا الوطن الحبيب أن نظرة الوالد لا تخيب، فجاء سمو الشيخ حمدان حاملاً لهذا الإرث السياسي والإداري الحكيم الذي تنعم به دولة الإمارات في ظل هذه القيادة الرشيدة التي تقدّم النموذج الأرقى في الإدارة والحكم واحترام الوطن والإنسان، فطوبى لنا ولشعب الإمارات والمقيمين تولّي سموه هذا المنصب، مقدّمين واجب التهنئة لسمو الشيخ حمدان على هذه الثقة،

والتي عبّر سموه عن اعتزازه بها حين كتب على حسابه الخاص كلمة مفعمة بالولاء للوطن وقائده ووالده قال فيها: «نشكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على هذه الثقة الغالية والتكليف، ونجدّد العهد والوعد لقيادتنا الرشيدة وشعبنا العزيز بمواصلة السير على نهج «زايد» و«راشد» لتبقى راية الاتحاد خفاقة».