تنقية الماضي

يمكن لأفكارنا وصورنا العقلية الداخلية أن تساعدنا على تحقيق السعادة والتمتع بالصحة أو عكس ذلك، كل ذلك يتوقف على خبراتنا السابقة والأنماط التي كانت تتحكم بها ومن الصعب تغيير تلك الأفكار والصور العقلية للأفضل بدونك. بمعنى أن تلك الصور القاتمة في دواخلنا إنما تراكمت بسبب البيئة والحياة التي نعيشها؛ لذلك فإن الحياة تصبح صعبة عندما تقع لنا بعض الأحداث الخارجة عن سيطرتنا وتخل بتوازننا الانفعالي أو العاطفي، فالأحداث المفجعة يمكنها أن تجعلنا نشعر بمشاعر سلبية تجاه أنفسنا وهذه المشاعر تولد أفكاراً وصوراً سلبية قد تسيطر على عقولنا فتحرمنا من الحياة الجميلة، البعض قد يسير على نمط معين في الحياة منذ الصباح إلى المساء، ليس شيئاً سيئاً أن تستيقظ في الصباح وتذهب لعملك وتؤديه بشكل جيد ولكن المشكلة في موضوع الروتينية والملل والتعب المستمر الذي يصيبك بعد فترة؛ لذلك فإن تلك الأنماط من الحياة المكررة التي قد تفرضها على نفسك يمكن لها أن تصيبك بالإحباط والأذى.

الأنماط السلوكية في بعض الأحيان تكون في غير صالحنا إذا استمررنا في تكرارها وربما النبش في تفاصيلها، يدهشني الكثير من الناس الذين يستدعون الماضي بكل ما فيه من الأسى والألم، شخصياً أعرف الكثيرات من الصديقات والجارات اللواتي يستدعين الحزن والمآسي في كل مناسبة وحديث واجتماع، ويذكرن أنفسهن والمحيط من حولهن بالكثير من المآسي، والبعض منهن قررن عدم نسيان ماضٍ أليم إثر وفاة عزيز أو حادث أو فشل أو نحوها، كل تلك الأمور سوف تؤثر على الحاضر والمستقبل ولن تستطيع السير في الحياة دون تنقية الماضي دون أدنى شك.

بعض الأنماط السلوكية قد تكون مؤقتة وقابلة للتغير مثل الأطفال المراهقين الذين يرفضون في مرحلة معينة السلطة الأبوية بسبب ما يتعرضون له من تقلبات مزاجية وتغير في الآراء والأفكار، ولكن ما أن يصلوا إلى مرحلة الرشد يعودون إلى اتزانهم وإنسانيتهم، وهذا ما يجعل الآباء يتحملون سلوكيات أبنائهم الغير مرغوبة، لأنهم يدركون أنها مرحلة مؤقتة وسوف تتغير. بإمكاننا تنقية الماضي والتعامل معه واستبداله بذكريات جديدة، فجملة واحدة أو موقف معين لا يستغرق سوى دقائق قد يكون له تأثير سلبي أو إيجابي، فإذا كنت في اجتماع ولم تتحدث لأنك تخاف أن تتعرض للنقد أو تخطئ فإنك سوف تكون أشبه بمن يقتل بعوضة صغيرة بمطرقة ثقيلة.

البعض يرفض أن تكون له حياة اجتماعية لأنه يشعر بأنه أقل من الآخرين مواقف تعرض لها في فترة طفولته أو مراهقته لذلك فإن تنقية الماضي واستبداله بذكريات أجمل يعتمد عليك من خلال تنظيم حياتك بشكل تدريجي ومحاولة صنع ذكريات أجمل واستبدالها وسط العائلة والأسرة والأصدقاء وحتى العمل وهذا يعتمد عليك وعلى طريقة تعاملك مع الأمور والأحداث وتغيير نظرتك لها، يقول المسرحي والمؤلف الشهير أوجين أونيل، الحاصل في عام 1936على جائزة نوبل في الأدب: «إن ذاكرتنا تتمسك بإصرار شديد بالذكريات الكريهة المنفرة، وأما الأشياء الجميلة فلا بد أن نكتبها في مفكرتنا حتى لا ننساها».