«فيمتو ثانية» ما بين النجاة والاغتيال، وما بين إنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية أو إقامتها على الحافة.
الرصاصة مرت وكأننا أمام دراما صادمة ومفاجئة. محاولة اغتيال المرشح الرئاسي دونالد ترامب الفاشلة تركت صداها في العالم أجمع.
على مدار الساعة لا يتوقف الحديث عن أمريكا، سلباً أو إيجاباً.
هذه المحاولة تكتب تاريخاً جديداً، يضاف إلى تواريخ أخرى عاشتها الولايات المتحدة الأمريكية، سواء في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، أم الحرب الأمريكية - الإسبانية، أم في الحربين العالميتين، الأولى والثانية، أم خلال حرب الكوريتين، وغزو فيتنام، وغزو العراق، وغزو أفغانستان، أم اغتيال رؤساء جمهوريات، يأتي على رأسهم إبراهام لينكولن، وجون كينيدي، ومحاولات أخرى كثيرة فاشلة،.
غير الفضائح السياسية، مثل ووترغيت، أو أزمة الرئيس بيل كلينتون مع المتدربة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي، لتضاف إليها محاولة اغتيال المرشح الرئاسي دونالد ترامب، وتعود معها حالة الانشغال والاهتمام العالمي بأمريكا، وما يجرى داخلها، وتداعياته على المستوى الخارجي.
نعم، محاولة الاغتيال، حادث فارق ومفصلي في هذا التوقيت الأمريكي، ففشل المحاولة يحمل العديد من الرسائل التي تتعلق بصياغة المستقبل الأمريكي، وأيضاً مستقبل العالم.
ربما يتساءل البعض: ماذا لو نجحت المحاولة، وتم اغتيال ترامب؟
السؤال يبدو سهلاً، لكن الإجابة غاية في التعقيد، سيما وأن الولايات المتحدة، ليست دولة عادية، بل هي دولة مركبة وذات مؤسسات استراتيجية، وذات تاريخ حافل بكل صنوف التحديات التاريخية والحالية، ومن ثم، فإنها تظل محط اهتمام السياسة الدولية، في مختلف مراحلها عبر الأزمنة.
لا ننسى أننا أمام دولة تشبه الإمبراطورية، ولديها نحو 800 قاعدة عسكرية بها 200 ألف جندي، ولديها عدد من الأساطيل وحاملات الطائرات، والغواصات، بما فيها الغواصات النووية، ولديها سفارات عملاقة في معظم دول العالم، وشركات عابرة للقارات، تؤثر في قرارات الدول التي توجد فيها. هذه هي بلاد العم سام، هذه واحدة من المنطلقات التي تدفع أنظار العالم للانشغال الدائم بأمريكا، باعتبارها قاسماً مشتركاً في كل قضايا العالم.
ولم لا؟، فهي أكبر اقتصاد في العالم منذ عام 1870، وهي مركز التفاعلات العسكرية والسياسية في العالم، وهي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي في التاريخ، عندما قصفت ناغازاكي وهيروشيما، بالقنابل النووية في أغسطس عام 1945.
هذه الأهمية، وذلك الزخم اللذان تمثلهما أمريكا على خريطة العالم، هما نفسهما اللذان أزعجا العالم من محاولة اغتيال ترامب، فالعالم يخشى حرباً أهلية - أمريكية، ستكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي، والسياسة الدولية، والأمن العالمي، واستقرار القواعد التي نشأ عليها النظام الدولي الذي تأسس عام 1945.
معروف أن أمريكا تستضيف المنظمات الدولية على أراضيها كالأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن ثم فإن أية اهتزازات على الأراضي الأمريكية، ستؤثر سلباً في كل بقاع العالم، بما فيها الدول المناهضة لأمريكا قبل الحليفة معها.
إن نجاة ترامب نزعت فتيل الانفجار داخل أمريكا، بل أنقذت مسار الحالة الأمريكية، فبعد فشل محاولة الاغتيال، وجدنا خطابات سياسية وإعلامية مغايرة من قبل الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، وكل منهما بات يركز على السياسات، وليس الشخصيات، كلاهما أدرك حجم الخطر من استخدام العنف، والصخب السياسي، ولغة الرصاص.
في السياق ذاته أحدث فشل الاغتيال، حالة من الارتياح الشامل لدى الدوائر العالمية، وانعكس ذلك في مضمون رسائل الزعماء والقادة العالميين التي شجبت العنف، وتعاطفت مع ترامب وأمريكا، حفاظاً على الاستقرار الدولي، في ظل مخاوف كبرى تلوح في الأفق.
وسط كل هذه المعلومات المتدفقة حول الحادث، والحسابات المعقدة داخل طرفي السباق، والغموض الذي يكتنف مستقبل أمريكا، أجد أننا أمام كتابة فصل جديد من دراما أمريكية مشاهدها لم تكتمل بعد.