انعقدت أعمال القمة 24 لمجلس رؤساء دول «منظمة شنغهاي» للتعاون على مدى يومي الثالث والرابع من يوليو 2024، في العاصمة الكازاخية آستانا، تحت شعار «تعزيز الحوار المتعدد الأطراف - السعي من أجل السلام والتنمية».
تأسست هذه المنظمة في شنغهاي، بقرار قادة ست دول آسيوية، هي الصين وأوزبكستان وروسيا وطاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان في يونيو 2001، وقد توسعت منذ ذلك الحين، بعد أن انضمت إليها كأعضاء دائمين، وشركاء حوار.
تصدرت الدعوة لإصلاح النظام العالمي، ممثلة بإصلاح منظمة الأمم المتحدة أجندة هذه القمة، وهي دعوة لخص جوهرها الرئيسان الروسي والصيني بالقول «إن عالماً متعدد الأقطاب، سيكون بديلاً للهيمنة الأمريكية على العالم». فمنظمة شنغهاي تتحفظ على العديد من الإجراءات التي تتخذ من قبل الولايات المتحدة بحق بعض الدول، تحت سمع وبصر الأمم المتحدة.
إن ما يجدر ذكره في هذا السياق، أن قمة منظمة شنغهاي لا تطرح رؤية واضحة حول معالم العالم المتعدد الأقطاب، الذي تنادي به.
ولا تطرح آليات حول كيفية تحقيقه، فوفق النظام الدولي السائد، تصدر القرارات عن هيئة دولية، تمتثل لها جميع دول العالم، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وهي مجلس الأمن الدولي الذي يتكون من خمسة عشر عضواً، خمسة منهم دائمو العضوية فيه، وهم الكبار الذين خرجوا منتصرين في الحرب العالمية الثانية، ولدى أي منهم صلاحية استخدام الفيتو لنقض أي قرار لا توافق على صدوره.
من هذا المنظور، يمثل مجلس الأمن الدولي هيئة متعددة الأقطاب، بوجود كل من روسيا والصين فيه، إذ لا يمكن أن يصدر أي قرار أممي دون موافقتهما، أو على الأقل دون اعتراضهما على صدوره. فالإجراءات التي تعترض عليها قمة شنغهاي، لا تصدر عن الأمم المتحدة، بل تصدر عن الولايات المتحدة، ووفق ذلك، تبدو الدعوة لإصلاح المنظمة الدولية في غير محلها.
والحقيقة أنه لا يمكن التعامل مع أهداف منظمة شنغهاي، بمعزل عن أهداف أبرز دولتين فيها، روسيا والصين، اللتين لا تتمكنان من الوقوف بوجه ما تقرره الولايات المتحدة، ما تعتبرانه بعيداً عن العدالة التي ينبغي أن تلتزم المنظمة الدولية بها، فالبعد الحقيقي الذي يكمن وراء تأسيس هذه المنظمة، وصياغة أجندتها، أقرب إلى التحدي والمواجهة منه إلى الإصلاح.
فالعزلة الشاملة التي يفرضها الغرب على روسيا سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً من جهة، والعزلة الاقتصادية التي تتصاعد شدتها على الصين من جهة أخرى، مبرران قويان للطعن بشرعية النظام الدولي القائم، والدعوة لإصلاحه.
منظمة شنغهاي تحالف آسيوي غير متجانس، فشعوب دوله تنتمي إلى تاريخ وثقافات وحضارات مختلفة، تداعيات صراعاتها لا تزال حية وفاعلة حتى يومنا الحاضر. فهناك الخلافات الحادة، الثقافية والعقائدية، التي أدت إلى نشوب حروب بين الهند وباكستان حول قضية كشمير، وبين الهند والصين حول خط مكماهون.
من جانب آخر، لا يمكن تجاهل التباين في الرؤى وفي المصالح بين روسيا والصين في آسيا الوسطى، كأكبر دولتين آسيويتين تتنافسان على الزعامة فيها.
دعوة قمة شنغهاي، وغيرها من القمم، لإجراء إصلاحات في النظام الدولي، يتناول آليات العمل في منظمة الأمم المتحدة، ليست ذات تأثير في الواقع العالمي، إلا بمقدار ضئيل، يتوقف على رغبة أي دولة من دول هذه المنظمة، أو بقناعتها الوقوف ضد الإجراءات التي تعترض عليها، والتي تطالب بزوالها.
الولايات المتحدة تنتهج سياسات أحادية، تتناسب مع مصالحها، ومع حجمها دولياً كقوة عظمى وحيدة، قادرة على فرض قرارات صارمة، بحكم سيطرتها على النظام المالي الدولي، وبحكم نفوذها الطاغي، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً في الأوساط العالمية. ليس من المتوقع أن تلعب منظمة شنغهاي دوراً متميزاً على الساحة الدولية في القضايا التي تنادي بها.
فقد بقي دورها، ومنذ تأسيسها، محدود التأثير، على الرغم من كونها أكبر التكتلات الإقليمية والدولية سياسياً وجغرافياً وسكانياً واقتصادياً، فأعضاؤها يشكلون ما يزيد على %40 من سكان العالم، وتشغل دولها معظم مساحة القارة الآسيوية، وتشكل اقتصاداتها جزءاً هاماً من الاقتصاد العالمي. فقد بقيت هذه المنظمة غائبة عن العديد من الملفات الدولية، على الرغم من توقيعها عدد من التفاهمات مع منظمات دولية، منها منظمة اليونيسكو، ومنظمة السياحة العالمية، والمنظمة الدولية للهجرة.