في الذاكرة، هناك مناطق محددة يحتفظ بها الإنسان لكي تكون مكاناً خالداً لأروع الذكريات وأجملها، وفي ذاكرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ثلاثة أماكن لأعز ثلاث ذكريات على قلبه: والده طيب الذكرى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والخيل، ودبي، وهو ما عبّر عنه بلغة تقطر عذوبة وشاعرية حين قال: «أبي والخيل ودبي هي ذكرياتي عن طفولتي، أبي والخيل ودبي هي ذاكرتي التي ستبقى معي حتى النهاية» وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ما زال ذلك الفارس الوفي على العهد لكل هذه الذكريات، فهي ممتدة الحضور في قلبه ووجدانه، وما زال قراؤه ومحبو كلماته يطالعون بين الحين والآخر صدى هذه الذكريات الثمينة فيما يكتبه على مواقع التواصل الاجتماعي تعبيراً عن عمق حضور هذه الذكريات في قلبه الكبير النبيل.
في نهاية السبعينيات من القرن الماضي بدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يفكر بإحداث نقلة حضارية في مسيرة دبي، وأنها يجب أن تكون وجهة عالمية من خلال تدشين مجموعة من المشاريع الكبرى التي تقترب من حدود المغامرة، وحين عرض تصوراته لِما ستكون عليه دبي على والده مهندس دبي وباني نهضتها الكبرى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، كان جوابه كلمة واحدة تلخص كل مشاعر الرضا والدعم اللامحدود لطموحات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حين قال له: «الناموس» لينطلق صاحب السمو بعد ذلك في تنفيذ كل الرؤى والأحلام التي جعلت من دبي مدينة عالمية بكل مقاييس العالمية ومعاييرها، ولتظل نقطة الانطلاق الكبرى تحمل قوة الدفع التي تفتح المزيد من الآفاق، وتوحي بالجديد من الأفكار في سبيل أن تبقى دبي مدينة متجددة لا تعرف الهرم، ولا يحوم حول حِماها الضعف والشيخوخة.
في هذا السياق من الاهتمام بمدينة دبي الأثيرة على قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد احتفى سموه قبل يومين ومن خلال كلمة رائعة المحتوى نشرها على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي بمرور خمسة عشر عاماً على افتتاح مترو دبي الذي يعد واحداً من أرقى وجوهها الحضارية، ومعلماً من معالم ثقافتها الحديثة، حيث افتخر سموه بالمنجز الضخم لهذا المشروع الحضاري الكبير الذي نقل خلال هذه المرحلة الزمنية 2.4 مليار إنسان في أكثر من 4.3 ملايين رحلة، وهو رقم قياسي بكل المقاييس، لكن الأهم من ذلك هو أن نسبة الالتزام بلغت 99.7 % وهو الشيء الذي يريد له صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن يكون 100 % بإذن الله.
إن مترو دبي ليس مجرد مشروع لنقل الركاب يسهم في حل مشكلة من مشكلات المدينة، بل هو في نظر سموه جزء أصيل من ثقافة دبي، وبحسب عبارة سموه «فالالتزام بالمواعيد ثقافة وفضيلة وقيمة حضارية نبيلة» وعليه فإن مشروع مترو دبي يمثل ثقافة دبي القائمة على الجودة والالتزام بالمواعيد وخلق بيئة للعيش والعمل في العالم، مقدماً شكره لجميع العاملين في هذا المشروع الحضاري الكبير من فرق العمل الذين يُنضرون وجه دبي بجهودهم المخلصة الدؤوبة في سبيل رفعتها وارتقاء مكانتها.
وتعزيزاً لكل مظاهر التفرد والتجدد في مسيرة دبي، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مشروعاً وطنياً جديداً يحتفي بدبي ضمن مشاريع الإمارة لتطوير التعليم، حيث أطل على أبناء شعبه من خلال تغريدة ثمينة قال فيها: «الإخوة والأخوات: نطلق اليوم مشروعاً جديداً ضمن مشاريعنا لتطوير التعليم في بلادنا.. نطلق جامعة دبي الوطنية باستثمارات مبدئية 4.5 مليارات درهم هدفها أن تكون ضمن أفضل 50 جامعة شابة خلال العقد القادم، وتوفير برامج أكاديمية تخصصية ومستقبلية، وأن تكون ضمن أفضل الجامعات في الإسهامات البحثية» ليكون هذا المشروع العلمي الكبير إضافة نوعية لشخصية دبي التي لا تقف طموحاتها عند حدود مرسومة بل هي دائمة التطلع نحو تحقيق المزيد من الإنجازات التي ترسخ مكانتها كمدينة مكتظة بالنشاط والحيوية وصناعة الحياة، ولعلّ تجديد الدماء بإنشاء هذه الجامعة الفتية سيكون له أعظم الأثر في تحقيق المزيد من الألق والبهاء الذي يليق بدانة الدنيا وجوهرة الخليج.
«الجامعة هويتها إماراتية، وبرامجها عالمية، ومخرجاتها ستكون لخدمة مسيرتنا التنموية» وبهذه العبارة المكثفة من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يحدد هوية هذه الجامعة وعمق انتمائها للوطن رغم قيامها على رؤية عالمية من حيث البرامج التي ستكون مخرجاتها ونتائجها في خدمة المسيرة التنموية لهذا الوطن الحبيب.
ثم ختم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذه التغريدة بلفت الأنظار إلى ضرورة الانتباه للتغير السريع في إيقاع التحولات على مستوى العالم التي تستدعي جملة من التحديات التي تفرض على القادة صناعة أجيال قادرة على استيعاب هذه التغيرات وتجاوزها، «العالم يتغير بسرعة، والتحدي الحقيقي هو صناعة أجيال قادرة على استيعاب هذه المتغيرات وتسخيرها لصنع مستقبل أفضل لنا ولبلادنا بإذن الله» ليظل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هو الرائد الذي يقود أبناء الوطن نحو مزيد من العمل والإنجاز الذي يرتقي بالوطن، كل الوطن، ويستجيب للتحديات ويُبدع في صناعة رؤيته الخاصة للحياة من خلال الإحساس العميق بالأصالة الذاتية والانفتاح الواعي على المنجز الحضاري للإنسانية.