لا شك أن التحولات الاقتصادية هي أهم التحولات التي تمر بها الدول في رحلتها من المحلية إلى العالمية. ويعتبر تنوع الموارد من أهم العوامل التي تساعد الدول في عبور تلك الرحلة بسلاسة.

وكلما كانت تلك الدول تمتلك رصيداً متنوعاً من الموارد الطبيعية كلما كانت رحلتها أسهل وأقصر، حيث يعطي تنوع المصادر مساحة كبيرة للدولة في التحرر الاقتصادي والابتعاد عن اقتصاد السلعة الواحدة. وتعتبر الإمارات إحدى الدول التي حباها الله ثروة نفطية هائلة ساعدتها بداية في البدء بعملية التغير البنيوي.

وقد أدركت الإمارات، ومنذ البداية، خطر الاعتماد على اقتصاد السلعة الواحدة وسعت نحو خلق اقتصاد متنوع يساهم في استدامة التنمية. ولكن تنويع اقتصادها لم يكن بالأمر السهل، فالكثيرون توقعوا لها الفشل كون أرضها صحراء لا تنتج شيئاً.

فهي لا تمتلك أنهاراً أو أرضاً خصبة، وليس لديها موارد طبيعية غير النفط. الصناعة كانت بسيطة ولا تتعدى بعض الصناعات الخفيفة، أما التجارة فكانت استيراد وتصدير كل السلع المستوردة. ولكن الإمارات أثبتت أنها قادرة على إزالة كل العوائق من طريق رحلتها نحو العالمية والتحول بخطى ثابتة من ريعية إلى اقتصاد متنوع.

لم تكن رحلة الإمارات في عملية التحول من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المتنوع، سهلة، بل مليئة بالتحديات وعلى رأسها التحديات الطبيعية والبشرية. فالإمارات منطقة صحراوية، فلا أنهار تخلق زراعة، ولا أرض خصبة تنتج الغذاء. كما افتقدت الإمارات القوى العاملة المؤهلة.

بالإضافة إلى ذلك لم تكن هناك مقومات سياحية قادرة على المنافسة مع السياحة العالمية. فلا بنية تحتية متطورة ولا مقومات سياحية جاذبة. ولكن كل ذلك تغير في مدة زمنية قصيرة. فتصميم الإمارات على تخطي العوائق الطبيعية والبشرية والتحول بعيداً عن النفط كان مذهلاً.

فعلى الرغم من صعوبة البيئة ودرجات الحرارة المرتفعة وقلة الموارد البشرية إلا أن الإمارات استطاعت، وفي عقدها الثاني، أن تخلق أولاً سياحة بيئية جلبت لها ملايين السياح صيفاً وشتاءً. ومستفيدة من النفط قامت صناعات تحويلية وتشغيلية عدة. وقد تمكنت الإمارات تدريجياً من التحول إلى نموذج عالمي ناجح على صعيد التنويع الاقتصادي.

فعبر العديد من المبادرات والاستراتيجيات التي تبنتها وبكل شجاعة وحكمة، على تعزيز مساهمة كل القطاعات الحكومية والأهلية، من تنويع اقتصادها حتى غدت اليوم أنموذجاً ناجحاً للتنويع الاقتصادي. فدولة الإمارات اليوم تنتج أكثر من 70 % من إنتاجها المحلي من القطاعات غير النفطية، وهكذا تحول النفط من المصدر الوحيد إلى ما قدره 30 % فقط من الناتج الإجمالي.

كما نمت التجارة الخارجية خلال نصف قرن 1600 مرة، وتعتبر الإمارات الثانية عالمياً في الصناديق السيادية وصناديق الثروات. كما تمتلك الإمارات شبكة نقل وطرق عالمية متطورة تعد الأحدث في العالم. وفي قراءة للتحولات المستقبلية ركزت الدولة على صناعات الفضاء وتهيئة البيئة لتنمية مستدامة من خلال خطط ومشاريع الخمسين.

وحماية للاقتصاد الوطني من تقلبات الأسواق العالمية ركزت الإمارات على تدعيم وترسيخ اقتصادها من خلال الإجراءات الوقائية والتشريعية. كما وفرت كل التسهيلات الحمائية للاستثمارات الأجنبية حتى تجعل من الإمارات بيئة جاذبة وآمنة لتلك الاستثمارات، الأمر الذي يعزز من ثقة المستثمرين في اقتصاد الدولة.

إن رحلة الإمارات من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المتنوع هي أنموذج ناجح للتنمية الاقتصادية. فعلى الرغم من صعوبة تلك الرحلة، إلا أن تصميم الإمارات على حماية الاقتصاد الوطني والتركيز على رفاهية الإنسان كانا الدافع الأكبر نحو النجاح.