في الثاني والعشرين من يوليو 1946 هز انفجار عنيف فندق الملك داوود في القدس. أدى الانفجار إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى وتدمير الجزء الجنوبي منه، والذي كانت تشغله سلطة الانتداب البريطاني على فلسطين كمقر للقيادة العسكرية والدبلوماسية.

كان الفندق المكون من 19 طابقاً في نظر الكثيرين رمزاً للحكم البريطاني، ونتيجة للمواقف البريطانية التي لم تكن تتماشى بالكامل مع مطالب الحركة الصهيونية، وعلى رأسها الهجرة والأحداث الأمنية وعمليات الاعتقال التي جرت داخل ما كان يعرف بـ «اليشوف» أي المستوطنات اليهودية ومداهمة الجيش البريطاني مباني الوكالة اليهودية، فقد قررت العصابات الصهيونية المسلحة تنفيذ عمليات انتقام استهدفت البريطانيين والسكان العرب على حد سواء والتضحية بمن كانوا في الفندق من اليهود.

تم الاتفاق بين قادة العصابات الصهيونية وأبرزهم مناحيم بيغن الذي أصبح رئيساً لوزراء «إسرائيل» زعيم منظمة الأرغون، وموشيه سنيه زعيم الهاغاناه على تفجير الفندق بأسرع وقت.

بدأت العملية أثناء وجود الموظفين في مكاتبهم، إذ قدمت مجموعة من عصابة اتسل في سيارة تنقل جرار حليب وعلى ظهرها أفراد المجموعة متنكرين بزي حمالين عرب – كما المستعربين اليوم - وتوجهوا إلى المدخل الخلفي للفندق لنقل الجرار إلى المستودع، دون أن يشعر بهم أحد باستثناء عمال المقهى والخدمات الذين أرغموا تحت وطأة التهديد بالسلاح على التجمع في إحدى الغرف.

أسفر التفجير عن مقتل 92 شخصاً، 41 منهم عرب و28 من البريطانيين و17 من اليهود و6 من جنسيات أخرى، وكان بينهم أشخاص تعاونوا مع منظمة إتسل في المجال الاستخباراتي.

لماذا نتذكر قيام العصابات الصهيونية بتفجير فندق الملك داوود؟

ما يفعله نتانياهو اليوم هو ما فعله بيغن بالأمس. التاريخ يعيد نفسه لكن في الاتجاه المعاكس!

إنه يتمرد على بايدن رئيس أمريكا الداعم الرئيسي لحكومته بالسلاح والمال والفيتو في مجلس الأمن كما تمرد بيغن على الإنجليز الذين قدموا للصهيونية وعد بلفور ومهدوا له وللعصابات الصهيونية إنشاء دولتهم. عصابات المستوطنين بزعامة بن غفير وسموتريتش هي نفسها عصابات بيغن وسنية وشامير وغيرهم. وهي نفسها من يدير حكومة نتانياهو غير البعيد عن أهدافهم وأيديولوجيتهم العنصرية ضد العرب والمسلمين ومن هو من غير دينهم.

لاحظ جنسيات حصيلة القتلى في تفجير فندق الملك داود العام 1946. 28 من حلفائهم البريطانيين الذين «سلموهم» فلسطين وأنشأوا على أرضها «إسرائيل». تماماً كما يضحي نتانياهو بالمحتجزين الأمريكيين في غزة أبناء حليفهم الأمريكي الذين قتل واحداً منهم. أما المحتجزون أو الأسرى الآخرون من الإسرائيليين فإن نتانياهو يضحي بهم من خلال المراوغة والتسويف والكذب في مسار المفاوضات، فيما يعلن بن غفير وسموتريتش صراحة أن أمن إسرائيل أهم من حياة الرهائن. وهم بذلك يطبقون بروتوكول هانيبال الذي يجيز قتل الآسر والأسير، ويقضي بأن «الأسير القتيل أفضل من الأسير الحي».

نتانياهو، لا يستمع إلا لرأي حكومته الأكثر تطرفاً في تاريخ دولتهم. لا رأي بايدن ولا الجنرالات الحاليين ولا السابقين ولا المعارضين ولا حتى لأصوات غضب أهالي الأسرى التي لا تتوقف في شوارع تل أبيب وحيفا والقدس.

ما يهمه البقاء في الحكم وما يسميه تحقيق «النصر وأهداف الحرب» التي لم يحقق منها أي هدف. لم يقض على المقاومة، لم يعد الأسرى، لم يهجر أهالي غزة بل ارتكب الجرائم ضد الإنسانية والقوانين الدولية التي قادته ووزير دفاعه ودولته إلى محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية إضافة إلى كشف صورة إسرائيل الحقيقية في العالم كدولة منبوذة.

فيما الحرب على باب سنتها الثانية فإن «إسرائيل» بحاجة لمن ينقذها من نتانياهو إن أرادت البقاء!