محمد بن زايد وتجليات الإمارات العالمية

في بداية الخمسين الثانية على تأسيس الاتحاد، وعد محمد بن زايد شعبه بانطلاقة تنموية كبرى ونوعية تؤسس لصياغة مستقبل الإمارات حتى المئوية، عنوانها الأساسي بناء العصر الذهبي، بحيث لا ينحصر تأثيره داخلياً، وإنما ليمتد إلهامه إلى كل المنطقة، ولتكون الإمارات قاطرة للتنمية والتقدم، ونقطة انطلاق للنهوض الحضاري في المنطقة.

بعد سنوات قليلة على هذا الوعد، فإن شمسه تشرق كل يوم لتضيء على ملامح الإنجاز والطموح، لترسخ الإمارات صورتها تجلياً عالمياً لصيغة نموذجية في الحضور الدولي عنوانها الاستقرار والسلام والتعاون والحوار لتحقيق الازدهار والنهضة.

من تلك الرؤية يمكن القول إن الإمارات دخلت بدفع من مرحلتي التأسيس في عهد زايد، والتمكين في عهد خليفة، إلى عصرها الذهبي في عهد صانع المستقبل محمد بن زايد، الذي يبدع في خدمة وطنه، بحيث لا يتوقف هذا الإبداع عند المشاريع التنموية الرائدة، بل بتعميق الإنجازات وتعزيز قوتها بشبكة من الشراكات الدولية قائمة على خدمة الأهداف الوطنية، وجعل التجلي العالمي لنموذج الإمارات أكثر سطوعاً وتأثيراً.

المتابع لرؤية وسياسات محمد بن زايد الداخلية والخارجية يرصد إدراكاً كاملاً لطبيعة التحولات العالمية وما بها من تحديات وفرص، حيث تأتي لقاءاته الوطنية وجولاته الإقليمية والعالمية لاستثمار الفرص والتعامل مع التحديات لتعظيم المصالح الوطنية والقومية عبر سياسات متزنة ومتوازنة.

فداخلياً أعادت الإمارات تحديد إمكانياتها وخياراتها، بما يمكنها من امتلاك المعرفة والعلم لتنفيذ استراتيجيتها لمستقبلها ومستقبل الإقليم، فانشغلت بقيادة محمد بن زايد بتعظيم قوة الاقتصاد نحو اقتصاد المعرفة وامتلاك منظومة صناعية متطورة، وباشرت بتأسيس البنية التحتية للمستقبل عبر مؤسسات تكنولوجية ضخت استثمارات هائلة فيها.

وأعدت برامج تأهيل جيل سلاحه الأول المعرفة، لأن من يمتلكهما يمتلك القوة، القوة الإيجابية التي تزرع الأمل وتصنع الخير للبشرية، وركزت خصوصاً على التكنولوجيا المتقدمة التي تشهد قفزات سريعة، وأصبحت تحكم مفاصل حياة البشرية، ما يمنح منتجها قوة ناعمة عظمى لا يقل تأثيرها عن القوة التقليدية.

امتداداً لهذا التوجه وخدمة له، أنجزت الإمارات شراكات دولية فريدة. ومن هنا تأتي جولات محمد بن زايد الخارجية التي كان آخرها زيارته للولايات والمتحدة وصربيا والأردن ومصر، وما نتج عنها من شراكات، خصوصاً في الاقتصاد والتكنولوجيا المتقدمة.

والملاحظ في كل تلك الجولات، مدى الحفاوة التي يلقاها أينما حل، ما يعكس عدة أمور، أهمها قوة الشخصية القيادية لدى محمد بن زايد وتأثيرها، ومكانة الإمارات العالمية وتنافسيتها، والرغبة في التعاون معها في مشاريعها للمستقبل، والانفتاح على رؤيتها ومقارباتها في حل الأزمات السياسية والإنسانية، ومواجهة التحديات العالمية، لكونها رؤية واقعية بمفاتيح الحلول، وأثبتت فاعليتها في الأزمات.

حفاوة الاستقبال هذه تعكس أيضاً، مدى التأثير الإيجابي العالمي للإمارات، فرغم التناقض بين تلك العواصم إلا أن تلك الزيارات وما ينتج عنها من شراكات، تظهر مدى نجاح الإمارات في نسج شبكة واسعة من العلاقات الدولية المتزنة والمتوازنة مع كل القوى العظمى وغيرها، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

فهذا الإقبال الدولي على الشراكة مع الإمارات تدعمه مواقفها من القضايا الدولية، فهي لم تنزلق لصالح طرف ضد طرف، بل حافظت ومن منطلق مصلحتها الوطنية على علاقات متوازنة، وفتحت كل أبواب الحوار، فجعلت القوى العالمية الاقتصادية أو السياسية حريصة على تعميق تلك العلاقات، فالإمارات تتمتع اليوم بعلاقات شراكة وثيقة أو شاملة مع الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والهند وباكستان والبرازيل واليابان وإندونيسيا وماليزيا، وغيرها من الدول.

على المستوى العربي يأتي الجوار الخليجي ومصر في مقدمة هذا التوجه ويتكامل معه، خاصة أن التحولات العالمية أثبتت أهمية التعاون الإقليمي بين الدول التي تنتمي إلى نطاق جغرافي واحد، إضافة إلى أنها دول شقيقة تتعدد أوجه الروابط معها، إضافة إلى أن مصر وصية زايد، وهي قلب الأمة ونبضها والعلاقة معها عضوية، وما الاستثمار الإماراتي فيها وهو الأكبر عربياً إلا ترجمة لتلك العلاقة، بعيداً عن معايير الربح والخسارة.

ومثل مصر تؤمن الإمارات أن بقية الدول العربية تمتلك من إمكانات التقارب والتكامل ما لا يتوفر لغيرها، فمن هنا جاءت اتفاقية الشراكة الشاملة مع الأردن، حيث يعمل محمد بن زايد على تعزيز التكامل العربي على أسس تتسم بالفاعلية والواقعية السياسية.

ولتحقيق هذه الرؤية وبعد عقود من حالة الاستعصاء بالمنطقة والأزمات والحروب، ترى الإمارات أن المنطقة تحتاج إلى مقاربات سياسية واقتصادية مختلفة تخرج الإقليم من عنق الزجاجة والانفتاح على حلول قابلة للتنفيذ، تستند إلى العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل شعوب المنطقة للنهوض نحو التنمية والازدهار.

من هنا تبدو الإمارات حالة استثنائية في الإقليم، سواء برؤيتها الواقعية، أو بازدهارها، أو تنافسيتها الاقتصادية، أو بالفرص التي تقدمها، ومن هنا ترى الإمارات كل شيء قابلاً للتحقيق ما دام هناك إرادة صادقة ورؤية واضحة، مثل التي يمتلكهما محمد بن زايد الذي يقود مسيرة وطنه إلى مستقبل رسمه بعناية، ويأمل، بل ويعمل، لتكون المنطقة كلها مثل الإمارات.