بين أكتوبرين

سألني دبلوماسي عربي بالقاهرة: ما الذي يمكن قراءته في متن عام مضى على الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني؟

قلت له المشهد بالمنطقة والإقليم يزداد تعقيداً، ومن الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع، لكن تفاصيل ما جرى تجعلنا نتوقف أمام محطات مركزية عدة في متن هذه الحرب، فقد جاء السابع من أكتوبر 2023 ليسجل الأهمية الكبرى للقضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

إذن هذه الحرب ليست وليدة ذلك التاريخ، إنما هي جزء من صراع طويل، يمتد إلى ثمانية عقود، عانى فيها الفلسطينيون من كل أشكال الظلم والعدوان، والإبادة الجماعية والاغتيالات بالأساليب التقليدية والحديثة، فضلاً عن حرمان الشعب من حق تقرير المصير.

لذا فقد بدأت شعوب العالم تدرك إدراكاً عميقاً حق الشعب الفلسطيني في قضيته، وباتت القضية منذ السابع من أكتوبر تتصدر عناوين الصحافة العالمية، وتصل إلى الرأي العام الذي تظاهر تقريباً في كل عواصم العالم ولا يزال يواصل تنديده بالعدوان الإسرائيلي على غزة، ولا أنسى تلك الصورة التي أحرق فيها الصحافي الأمريكي صامويل مينا جونيور يده اليسرى من أجل أطفال فلسطين.

كما أن القضية اكتسبت بعداً استراتيجياً، خصوصاً بعد أن حصلت فلسطين على عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي منذ عام 1967، وذلك في غضون اثني عشر شهراً، هذه الفتوى تشكل رأي العالم تجاه حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وبذلك فإن هذه الفتوى تقطع الطريق على أوهام إسرائيل في التوسع على حساب الأراضي الفلسطينية.

إن عام الحرب هذا يفوح برائحة الدم والقتل والدمار وانتهاك جميع القوانين الدولية، والقوانين الدولية الإنسانية، ويحمل بين طياته آلافاً من الضحايا، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

فضلاً عن الصورة القاسية التي ترتسم لملامح غزة بعد أن تم تدمير أكثر من 80 % من بنيتها التحتية، خصوصاً المرافق الحيوية، مثل المستشفيات ومراكز الإيواء والمؤسسات الدولية، مثل الأونروا، والاعتداء على موظفي الأمم المتحدة، بل وصل الأمر بالإسرائيليين إلى اعتبار أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، شخصية غير مرغوب فيها.

بل إن الأمر وصل بمندوب إسرائيل السابق في الأمم المتحدة غلعاد أردان أن يمزق ميثاق الأمم المتحدة، ويعتبرها مؤسسة معادية للسامية، والاتهام نفسه وجهه إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

إن الجنون الإسرائيلي يتعاظم يوماً بعد الآخر طوال عام الحرب هذا، أحلام بنيامين نتانياهو تتمدد، يرفض إيقاف الحرب، ويدعي الدفاع عن النفس، ينتهز كل الفرص والدعم من حلفائه، الولايات المتحدة الأمريكية تعتبره الحليف المركزي في الشرق الأوسط، قدمت له نحو 27 مليار دولار مساعدات عسكرية خلال عام الحرب، لم تتأخر لحظة عن دعمه بكل أنواع السلاح والذخيرة، التي لم يحصل عليها أي حليف آخر لواشنطن، بما فيها دول حلف الناتو، فليس خافياً أن القنابل الموجهة التي تضرب التحصينات تحت الأرض يصل وزنها إلى 900 كيلوغرام، أي نحو طن من المتفجرات.

فضلاً عن أنه للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، يشارك رئيس أمريكي مجلس الحرب في دولة أخرى، كما فعل الرئيس جو بايدن عندما حضر إلى إسرائيل بعد أيام قليلة من اندلاع حرب السابع من أكتوبر، ووصف بايدن نفسه بأنه صهيوني أكثر من أي يهودي آخر.

واستخدم حق النقض «الفيتو» أربع مرات لصالح إسرائيل في مجلس الأمن، ومن ثم فإن هذا العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكياً أسهم في إطالة زمن الحرب، وشجع إسرائيل على الاعتداء على دول أخرى في المنطقة، والتصرف باعتبارها دولة فوق القانون.

أما الملاحظة الأخطر خلال عام الحرب هذا، فتمثلت في عجز المجتمع الدولي وفشله في إيقاف الحرب، ونزيف الدماء، وإنقاذ مصائر الشعوب، وتجلى ذلك في اجتماعات مجلس الأمن، والأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية التي لم تستطع حتى الآن إصدار مذكرات اعتقال بحق نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، ووزير دفاعه يوآف جالانت، الأمر الذي يكشف حجم الوهن والتراخي في جسد المجتمع الدولي.

إن الخطر يزداد ويتسع، لكن ما بين أكتوبر العام الماضي وأكتوبر العام الجاري يظل استقرار المنطقة والإقليم مرهوناً بحل القضية الفلسطينية.
رئيس تحرير الأهرام العربي