أوراق العرب

صراع خرائط، وتصادم أحلام، وسباق نحو الصفقات، وشطب كل القوانين الدولية والإنسانية، هذه بعض عناوين المشهد الحالي في الإقليم والمنطقة.

التهديدات والأخطار، لم تستهدف الخريطة الفلسطينية وحدها، بل توجه سهامها إلى خريطة الإقليم العربي بالكامل، كل المعطيات الآن، تؤكد ضرورة وأهمية رسم الخريطة العربية المتماسكة سياسياً، واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، بما يوفر لها القدرة والقوة في الحفاظ على وجودها، وأمنها القومي.

القضية الفلسطينية، وما تشهده من مشروعات للتصفية عبر التهجير، ومنع إقامة دولة فلسطينية، وتحويلها إلى قصة لاجئين، إنما تحتاج إلى موقف عربي مغاير، عما اتخذه العرب خلال العقود الثمانية الماضية، فاللحظة عربية، كل شيء بات مهدداً، الجغرافيا والتاريخ، الأمن القومي، والأمن الاقتصادي والاجتماعي، بل الوجود ذاته.

لأن القصة باختصار أبعد من تصفية فلسطين وحدها، بل إن المخططات القديمة المتجددة، تظهر هذه المرة بقوة وعلانية، على لسان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.

ولذا، فإن الحديث عن تهجير بهدف التصفية للقضية الفلسطينية، ينافي كل القواعد والمواثيق الدولية والإنسانية، بل يشكل جريمة تطهير عرقي، ولهذا تحرك العرب، لأنهم يدركون حجم الأخطار -غير المسبوقة - التي قد تهدد شعوب ووجود المنطقة بالكامل.

من دون شك، أن للعرب أوراقاً كثيرة، ولا بد من إظهارها الآن بقوة، لمواجهة الأعاصير والعواصف التي تخرج من الأدراج لتنفيذ مخططات قديمة، تهدف لإعادة رسم خرائط جديدة.

إن العالم يعرف جيداً أن العرب رقم صعب إذا أرادوا، وقد جرب العالم موقف العرب مع العدوان الثلاثي عام 1956، عندما تغيرت المعادلات في العواصم العربية، رداً على هذا العدوان الغاشم، الذي ظهر في تدخل أمريكا والاتحاد السوفييتي السابق، لوقف هذا العدوان، ومنعه من التواصل واستكمال توغله.

وقد فشل هذا العدوان، عندما رأى العالم تلك التظاهرات التي اندلعت في عواصم العرب، بغض النظر أن بعض هذه العواصم، كانت لم تنل استقلالها بعد، وبرغم ذلك اندفعت الشعوب، لتقف بكل قوة في مواجهة هذا العدوان، لتكشف أنها قوة لا يستهان بها.

كذلك وجد العرب أنفسهم بعد نكسة 1967، مطالبين بالرد، وكان يعتقد الغرب وإسرائيل أن العرب سيسلمون، لكن العرب ذهبوا أبعد من هذا الخيال، ودعوا إلى قمة في الخرطوم، وهي القمة الشهيرة باللاءات الثلاث.

وقد تجلت قرارات هذه القمة في حرب عربية عام 1973، انتصر فيها العرب جميعاً، واستخدموا فيها أوراقهم القوية، التي كانت حاسمة أمام العالم، وأفضت إلى انسحاب إسرائيلي من بعض الأراضي العربية، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وإلا ما كانت الاتفاقيات، وأبرزها اتفاقية أوسلو عام 1993.

لكن بعض المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، والولايات المتحدة الأمريكية، أرادوا أن يمزقوا هذه الوثائق الحقوقية والاتفاقيات، تحت شعار القوة وحدها التي تفرض شروطها، على الآخرين، لكن العرب ليسوا منطقة رخوة أو ميدان رماية لتجريب الأفكار المجنونة، فهناك تصور عربي كامل عن السلام الاستراتيجي «الأرض مقابل السلام».

ولديهم أيضاً قوة ردع إذا ما واصل المتطرفون جنونهم، الذي لا يشعل الشرق الأوسط وحده، بل سيشعل العالم أجمع، فضلاً عن أن عقلاء الغرب، لاسيما في الاتحاد الأوروبي يدركون مخاطر التطرف الإسرائيلي - الأمريكي، الذي يريد شطب فلسطين، والاعتداء على سيادة الدول العربية الأخرى المستقلة، على نحو ما ظهر في البيانات العربية المتتالية.

أكثر من بيان مصري أصدرته وزارة الخارجية المصرية، تلاه البيان الذي أصدرته المملكة العربية السعودية، والبيان الذي أصدرته دولة الإمارات العربية المتحدة، ناهيك عن المواقف العربية القاطعة والحاسمة والرافضة لأي مخططات تصفية أو تهجير، أو اعتداء على سيادة الأراضي العربية بشكل عام.

وجاءت الدعوة المصرية، لعقد قمة عربية طارئة يوم السابع والعشرين من فبراير الجاري، لتؤكد أن للعرب موقفاً واحداً، ولحظة جامعة لا يتنازلون فيها عن الثوابت العربية، التي تتمثل في دولة فلسطينية مستقلة.

والانخراط في مفاوضات دولية، لبدء المراحل المتعلقة، بإقامة الدولة، التي هي مطلب عالمي ودولي مستحق، فلا شك أن للعرب أوراقاً قوية على المسرح الدولي، أولاها القوانين الدولية، وثانيتها الموقع الاستراتيجي الحاسم.

وثالثتها قوة الطاقة والبترول، ورابعتها القوة الحضارية والثقافية، التي تتمثل في 57 دولة إسلامية وعربية، تدعم جهود وإقامة دولة فلسطينية، من دون التنازل عن هذا المطلب العادل.

ولذا فإنني أرى أن هذا التوقيت، هو توقيت العرب في لحظة فاصلة، لصياغة موقف قوي للتعامل مع التحديات الوجودية التي باتت تحاصر خرائطنا.