أحياناً تكون قوة التأثير بسبب عمق الفكرة وروعة الكلمات، وأحياناً أخرى يكون ذلك بسبب جمال الصورة وسحر الإيحاء، ولكن التأثير العميق يبلغ مداه الأقصى حين تجتمع الفكرة العميقة مع الصورة الرائعة، وهذا هو ما شعرتُ به حين قرأت التغريدة المبدعة التي كتبها صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة يوم الطفل الإماراتي مشفوعة بصورة في غاية الجمال والجاذبية يجلس فيها صاحب السموّ بين مجموعة من أطفال الوطن في لفتةٍ ساميةٍ من لدن صاحب السموّ تؤكِّدُ عمق محبّته لأبنائه، ودوام الرعاية لهم، وعدم نسيان أية خصوصية من خصوصياتهم، ولا غرابة في ذلك، فصاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد قد عاش بوعيٍ تامّ مرحلة الطفولة وما يدور في فلكها من الأحلام، وبعد أن صار رجل الدولة، أصبح رهانه على الأجيال القادمة هو الرهان الحقيقي، ومن أراد أن يلمس عمق إحساسه بأحلام الطفولة، فليقرأ ما كتبه في سيرته الذاتية (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً) حيث ذكر كثيراً من الأحلام التي كانت تراود خياله الغضّ البريء ولا سيّما حين كان يزور الدول الأوروبية ويرى فيها معالم الحياة الحديثة والنشاط الكثيف وروعة الإقبال على صناعة الحياة، وكيف أنّ تلك الأحلام ظلت تسكن في أعماقه حتى أصبحت واقعاً متحقّقاً في دانة الدنيا دبيّ.
«في كلّ طفلٍ تكمن بذرة، بذرة لأحلامٍ وإنجازات وإمكانياتٍ مهولة» بكلّ هذا الألق والتفاؤل والخبرة التي لا نظير لها في تربية الإنسان، يفتتح صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد هذه التغريدة المفعمة بروح التفاؤل وشحذ العزيمة، والنظر إلى المستقبل البعيد، حيث ينظر بعين البصيرة إلى فكرة البذرة التي ستصبح ذات يوم شجرة وارفة الأفنان، وفي هذه البذرة تكمن طاقة هائلة من الأحلام والإنجازات والإمكانيات، وهذا كلامٌ يشهد له واقع الحياة، فكم من طفلٍ صغير كان يمتلك أحلامه الخاصة أصبح علَماً من أعلام الإنسانيّة، واحتلّ مكاناً متميّزاً داخل الضمير الإنساني بسبب ما قدّمه لهذا العالم وأضافه من الاكتشافات والخبرات والأفكار التي ربما رفعت علم بلاده في أرقى المحافل الدولية اعترافاً بحضوره وإنجازه وقدرته على تحقيق أحلامه، فالأحلام التي تدخل في دائرة الفعل والإنجاز هي من أكبر المحفِّزات على العمل والإبداع، وإلا كانت مجرّد أمنيّاتٍ فارغة يتلهّى بها خيال الإنسان الضعيف.
«إمّا أن تنمو هذه البذرة لتصبح شجرة وارفة مثمرة معطاءة، وإمّا أن تتلاشى وتذوي البذرة في بدايتها نتيجة الإهمال وسوء العناية» في هذا المقطع من هذه التغريدة الرائعة يواصل حكيم الدولة وفارسها صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد الحديث عن النتيجة الطبيعية لكلّ بذرة، فإذا لقِيَتِ البذرة العناية اللائقة بها أصبحت شجرة وارفة الظلال، يستظلّ الناس بظلّها الظليل، متهدّلة الأغصان من وفرة الثمار، تعطي للبشر الظل والثمر، وعلى العكس سوف تذوي هذه البذرة وتموت حين لا تجد من يعتني بها، ويسقيها ماء الحياة مثل أيّ شيء في هذه الحياة، فهو يُزهر ويزدهر ويفوح بالعطر ويعطي أجمل الثمر حين يجد العناية الكافية، ويموت ويتلاشى وتذهب بهجته ورونقه حين يكون مصيره الإهمال وسوء الرعاية والعناية.
«أطفالنا اليوم هم الرجال والنساء الذين سيحملون ويحمون ويبنون مستقبل بلادنا، مستقبلنا مرهونٌ باهتمامنا ببذرة الإمكانيات العظيمة التي يحملها كلّ طفل في بلادنا» ولكي تزداد الصورة وضوحاً وإقناعاً يؤكِّدُ صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد أنّ هؤلاء الأطفال الذي يبنون أحلامهم في هذه المرحلة هم رجال الغد ونساء المستقبل، وأنّ الوطن سيكون أمانة في أيديهم الأمر الذي يعني أن نهتم بهم أقصى درجات العناية، وأن نفسح لهم المجال لكي تتفتح شخصياتهم المعطاءة مثل الورود الجميلة، فهم ورود المستقبل في حديقة الوطن الجميلة، ومستقبلنا مرهون بما نقدّمه لهذه البذرات الطيبة من أشكال الدعم والرعاية، فإذا كنّا على وعيٍ وبصيرةٍ بما يجب أن نقدّمه لهذه الأجيال فإنّ الوطن سيكون في أيدٍ أمينة مدرّبة على مواجهة الحياة وصناعة المستقبل، وستكون شخصيّاتهم مصقولة بما يؤهّلهم لحمل مسؤولياتهم التي تنتظرهم في معركة صناعة الحياة التي هي المعركة الكبرى في أدبيّات صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد الذي تُشكّل شخصيته في جميع أطوارها نموذجاً فذّاً ومُلهماً للأجيال، فقد عاش الطفولة بكل تجليّاتها، وتدرّب على صعوبات الحياة، ونام في ليل الصحراء، وصاحبَ الرجال منذ بواكير صباه، وتعلّم امتطاء صهوات الخيل، كلّ ذلك تحت عين قائدٍ جسورٍ هو والده طيب الذكرى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله، الذي كان يعرف بعين البصيرة المستقبل المملوء بالمسؤوليات التي تنتظر صاحب السموّ، ففتح نافذة الأحلام في قلبه، لينطلق بعد ذلك كالسّهم نحو تحقيق أهدافه التي جعلت منه قائداً عالميّاً يحظى باحترام كبار الشخصيّات وقادة الأمم بسبب إنجازاته التي تقترب من حدود المستحيل والتي كانت في يومٍ من الأيّام حُلُماً يُداعبُ خياله في طفولته الوادعة الجميلة.