محمد بن راشد.. فارس البيان وذُخر العربية

حين أراد الله تعالى لأمّة العرب أن يكون لها أكبر شأن بين الأمم، مهّد لذلك بنهضة لغويّة جعلت من لغتهم العربية أفضل لغة في زمانها قبل الجاهلية على الإطلاق، وكان نُبغاء العرب يشعرون بقيمة هذا المجد اللغوي ويفخرون بذلك حين يقفون بين يدي الملوك من الفرس والروم، ويرون أنّ هذا اللسان العربي الشريف هو مَعْقِدُ مجدهم وخزانة مآثرهم.

وعنوان تميّزهم، وما زالوا يتعهّدون لغتهم بالرعاية والتهذيب والتجويد والتنقيح حتى بلغوا بها مبلغ القداسة حين عمدوا إلى مجموعة من عيون أشعارهم فعلّقوها في بيت الله الحرام تعبيراً منهم عن فخامة شأن هذه اللغة ودلالتها على هوية الإنسان العربي في تلك العصور الغابرة حين كان العرب يبحثون عن ذاتهم الضائعة في تلك الصّحاري الشاسعة.

ثمّ صنع الله تعالى لأمّة العرب حين اختار لغتهم لساناً لأشرف كتبه وآخر رسالاته، وأرسل إليهم رسولاً هو من أشرف بيوتات العرب ومن أفصحهم لساناً، ثم امتنّ عليهم بهذه النعمة السابغة فقال لهم ممتنّاً عليهم ومحذِّراً لهم من عاقبة التفريط والإهمال فقال سبحانه: {وإنه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تُسألون}، فطار بذلك مجد العرب كلّ مطار بهذا اللسان الشريف وهذه اللغة الماجدة.

وأصبح لها من المنزلة في القلوب ما لم تبلغه لغة من لغات الأمم الأخرى، وعلى الرغم مما مرّ بها من حالات الضعف والركود والإهمال إلا أنّها ظلّت لغة عصيّة على الموت والذوبان، وظلّت ترتقب بعين العتب انبعاث همة فرسانها من أجل مسح غبار الزمن عن جبينها الناصع، وبثّ الحياة في أوصالها بعد طول انتظار.

من بين أكبر فرسان العربية وعشاقها الكبار، يُطِلُّ علينا وجهٌ عربيّ اللون والقسمات، وفارسٌ يجوب الليل والفلوات، حمل على عاتقه هموم العربيّة وشرف مجدها، ولم يتأخر عن تلبية ندائها، ذلكم هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الرجل الذي ارتقى مرتبة الشعر العالية.

ورفع من قيمة هذه اللغة على جميع الصعد، وأسّس ورسّخ من المبادرات التي تُعلي من شأن العربية ما تفرّد به بين جميع القادة الكبار، وحَسْبُه شرفاً في ذلك مبادرة تحدّي القراءة العربي، الذي طار ذكره في المشارق والمغارب.

واجتذب الملايين من عُشّاق هذه العربيّة الشريفة، وها هو في دورته التاسعة يُحقّقُ من الإقبال ما يشبه المستحيل، ويحتفي به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ويكتب تغريدة ثمينة على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي احتفاءً بهذا اليوم العظيم من أيّام هذا اللسان العربي الشريف.

«أشرفُ لغة، وِعاءُ ثقافتنا، ورمزُ حضارتنا، وشعار وحدتنا وتاريخنا. اللغة العربية الخالدة، ليس لها طفولة، ولا شيخوخة، محفوظةٌ بحفظ الله لها»، بهذه اللغة الفيّاضة بكلّ معاني الحب والانتماء الصادق العميق يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه الكلمة الثمينة التي خصّ بها اللغة العربيّة في هذه المناسبة السعيدة، ملخِّصاً بهذه العبارات المكثفة كلّ الدلالات الرمزية للغة العربية.

فهي رمزُ شرف العرب وعنوانُ هويتّهم وكرامتهم، وهي الوعاءُ الذي يحتضن ثقافتهم الزاهرة التي أنارت العالم لأكثر من ثمانية قرون، وهي شعارُ الوحدة العربية ونبراسُ وحدتهم.

فإذا ضاعت لغتهم فأيُّ شيءٍ من المجد سيبقى لهم، فخلودُ مجدهم نابعٌ من هذه اللغة الخالدة التي ظهرت ظهوراً مكتملاً حيّر علماء اللسان الذين عجزوا عن تعيين لحظة ولادتها ولم يستطيعوا تسجيل لحظة واحدة من لحظات الشيخوخة عبر تاريخها الطويل على نحو ما حدث ويحدث مع كثير من اللغات البائدة والحية، وما ذلك إلا أثرٌ من آثار حفظ الله لها حين جعلها لغة لكتابه المبين، ثم تعهّد سبحانه بحفظ كتابه العزيز فقال: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون}، فكان ذلك من أعظم النِّعم التي أنعم الله بها على هذه اللغة العالية المنزلة بين اللغات والألسنة.

«تحدّي القراءة العربي إحدى مشاريعنا القريبة من قلوبنا، لتعزيزها في قلوب أجيالنا. في دورته التاسعة بلغ عدد المشاركين 32 مليون طالب من 132 ألف مدرسة في 50 دولة حول العالم». إنّ تعزيز مكانة اللغة العربية في قلوب الأجيال الصاعدة ليس مجرّد أُمنيّة كامنة في القلب، بل هو مشروعٌ عمليٌّ نهض بأعبائه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.

وكان هو الأقرب إلى قلبه من بين عشرات المشاريع المتميّزة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ووفّر لهذا المشروع الكبير من الدعم والمساندة ما جعل منه المشروع الأكبر للقراءة على مستوى الوطن العربي.

واستقطب من المتابعين والمشاركين ما يؤكِّدُ أصالة الرؤية لدى صاحب السمو، الذي يُراهنُ على أجيال المستقبل في جميع توجّهاته، وها هو العدد يصل إلى الملايين ويستقطبُ هذه الحشود الغفيرة التي ترى في هذه المبادرة تعبيراً عن حُبّها للغتها واعتزازها بهذا اللسان العربي الكريم.

«فخورٌ بكلّ طالب مشارك، فخورٌ بلغتنا العربية العظيمة، فخورٌ بتاريخنا وهويّتنا، ومتفائلٌ بأجيالٍ عربية متجدّدة في فكرها ومعارفها ومتمسكة بجذورها وثقافتها»، ثمّ كانت هذه الخاتمة الرائعة المتوهّجة بكلّ معاني الفخر والاعتزاز بكلّ طالبٍ شارك في هذا التحدّي الكبير، وأسهم في تعزيز مكانة هذه اللغة من خلال المشاركة والاهتمام، ليكون ذلك كلّه مصدر فخر لدى صاحب السمو بكلّ مقوّمات الشخصية العربية:

لغة وتاريخاً وهويّة، مع التأكيد على رسوخ شعور التفاؤل في قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ببزوغ فجرٍ جديدٍ للإنسان العربي والأجيالِ الطالعة المتسلّحة بالأمل والمعرفة، القابضة على جمر الهويّة واستحقاقات الثقافة العربية الأصيلة.