«دبي ليست صدفة، دبي هي ثمرة رحلة استمرت أكثر من 185 عاماً، دبي هي قصة طويلة من الكفاح والتغلب على مخاطر هددت وجودها واستمراريتها، دبي اليوم دانة الدنيا، وستبقى بإذن الله».

بهذه الكلمات المتوهجة بالثقة والاعتزاز والأمل افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، القصة الثامنة من سيرته الذاتية «قصتي : 50 قصة في خمسين عاماً»، التي جعل لها العنوان التالي:

«185 عاماً من البحث عن دبي»، ليندفع بعد ذلك وبإحساس مفعم بالفخر مع الحفاظ على دقة التفاصيل في سرد قصة دبي وكفاحها وصمودها في وجه جميع الصعاب منذ نشأتها في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، حيث تم تأسيس بنيانها المتين على مفهوم العدالة وترسيخ روح الأمن ونشر ثقافة العمل مهما كان شاقاً، لتكون هذه البذور البعيدة والجذور القوية العتيدة هي الملامح الباقية في شخصية دبي إلى يوم الناس هذا.

قراءة سيرة دبي ومسيرتها الزاهرة في أدبيات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هي واحدة من الرحلات الوجدانية الممتعة، فأنت ترى طفولة المدينة وشبابها وازدهارها، وترى الرجال الذين تعاقبوا على حكمها ومنحوها أفضل ما يمنح لمدينة محبوبة، بحيث تشعر أنك لا تقرأ سيرة مدينة من الحجر والأسفلت والأبنية والمدرجات، بل هي جزء من روعة الحياة، فكل شارع فيها وكل بناء من أبنيتها، وكل مؤسسة من مؤسساتها هي تجسيد لموقف نابع من أرواح أحبت دبي.

وتعاملت معها على أنها الهوية والملاذ والأفق ومعقد الفخر والاعتزاز، فكم من الأحلام الجميلة الكبرى تم تحقيقها في مسيرة دبي كانت أقرب ما تكون إلى المستحيل، لكن قصة العشق التي جمعت بين دبي وبين عشاقها كان لها منطق آخر جعل منها دانة الدنيا التي تجمع على نحو فريد بين جذور الأصالة وفروع الحداثة في معادلة صعبة لا تستطيع أي مدينة تحقيقها على هذا النحو الباهر.

قبل خمسة وعشرين عاماً كانت دبي مع واحد من أكبر أحلامها، وطرحت مشروعاً يجمع بين الحلم والفكر غايته أن تكون دبي مدينة الإنترنت العالمية، وهو حلم ليس من السهل تحقيقه، لكن الإرادة القوية والعزيمة الماضية جعلت الحلم حقيقة، وها هي تحتفل في هذه الأيام بتحقيقه على أكمل الوجوه، ويسطر فارسها وصانع مجدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أروع الكلمات احتفاء بهذا المنجز الحضاري الكبير.

ويكتب على صفحته تغريدة تجسد كل معاني الفخر والاعتزاز بهذه المدينة المتجددة التي تعيش حياتها مثل صياد اللؤلؤ الماهر الذي يغوص طويلاً ليرجع بأثمن الجواهر، ولتظل دبي قرة عين لفارسها الذي حجز لها مكاناً لا يسكنه أحد في ذاكرته التي تحتفظ بأروع الأشياء وأكثرها قيمة في هذه الحياة.

«قبل 25 عاماً، رأينا بأن التقنية ستكون هي أساس الاقتصاد، وأساس الإعلام، وأساس المعرفة، وأساس التنمية والتطور». بهذه الكلمات القليلة يكشف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن عمق رؤية القيادة ونفاذ بصيرتها في استشراف المستقبل، وإدراكها المبكر للأسس المتينة التي ستكون دعائم النهضة المستقبلية لإمارة دبي.

هذه الإمارة التي انخرطت منذ زمن طويل في تحديات الحياة وإنجاز أفضل المشاريع التي جعلت منها مدينة عالمية تستقطب النشاط الاقتصادي العالمي، وتحتل موقعاً متقدماً بين المدن الكبرى كوجهة عميقة الحضور والمكاسب والتأثير، وإن هذا التنبه المبكر لأهمية التقنية يؤكد أن هذه المدينة العميقة الجذور في رمال الصحراء هي ذات المدينة التي تمتد فروعها كي تعانق السماء.

«قبل 25 عاماً أطلقنا مشروعاً تحولياً للتقنية والتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية في المنطقة، أطلقنا مدينة دبي للإنترنت، قبل 25 عاماً بدأنا رحلة تحول وطنية نحو اقتصاد المعرفة». في هذا المقطع من التغريدة يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن الهدف كان واضحاً.

وهو الانتقال بمدينة دبي من مسار الاقتصاد القديم الذي يقوم في جوهره على الأرض والعَمالة ورأس المال إلى مفهوم الاقتصاد المعرفي الذي يقوم في جوهره على المعرفة التقنية والإبداع والذكاء والمعلومات، وهي نقلة نوعية في مسيرة هذه المدينة الزاهرة التي تواصل الخطى نحو مزيد من حقائق التطور والنمو الاقتصادي من خلال مواكبة مستجدات العصر وعدم الجمود على النموذج الاقتصادي القديم.

«واليوم نعيش هذا الواقع، ونقطف ثمرة التحول، وتستفيد الأجيال الجديدة من استعدادنا قبل 25 عاماً لهذه التحولات». وعلى المعهود من نجاحات دبي يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن دبي وأهلها يعيشون لحظات السعادة بالوصول إلى تحقيق هذا الحلم ويقطفون ثمرات هذا التحول الكبير في مسيرة دبي الاقتصادية، التي ستستفيد منها الأجيال الصاعدة وتغمرها الغبطة حين ترى هذا النجاح الذي تم التخطيط له قبل ربع قرن.

«الأمم التي تستشرف المستقبل قبل حدوثه وتستعد له قبل الآخرين هي الأمم التي تصنع ذلك المستقبل»، ثم كانت هذه الخاتمة الملهمة التي تؤكد أصالة الرؤية لدى قيادة دبي الفذة التي تستشرف المستقبل، وتصنع الواقع المكافئ له، وتطرح الأحلام التي تقترن بالفكر والتنفيذ، وتكون في طليعة الأمم في سباق الإنجاز والإبداع والتميز.

وتزامناً مع هذا الحدث الاقتصادي الكبير في مسيرة دبي، كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تغريدة هي كالثمرة لهذه التحولات العميقة في بنية دبي الاقتصادية حين ذكر اعتماده ميزانية دبي للأعوام 2025 - 2027، والبالغة 302 مليار درهم مع مجموع نفقات بلغ 272 مليار درهم لتكون هي الميزانية الأضخم في تاريخ الإمارة وبفائض مقداره 30 مليار درهم.

مؤكداً أن هذا الفائض سيحقق فائضاً تشغيلياً يصل إلى 21% لأول مرة من إجمالي الإيرادات، وذلك بهدف إيجاد استدامة مالية لحكومة دبي، وسيتعزز ذلك بإطلاق محفظة مالية بقيمة 40 مليار درهم كشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وتنويهاً بالرجل الذي يقف خلف هذا الملف الاقتصادي نوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بالجهود الاستثنائية التي بذلها سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية.

حيث أثنى عليه بقوله: «مكتوم بن محمد يقود اليوم هذا الملف بكل اقتدار، ونجدد ثقتنا فيه وفي فريق عمله، ونقول للجميع: دبي تمضي للمستقبل بكل ثقة، واستدامتها المالية راسخة وثابتة ومتطورة، والقادم أكبر وأفضل بإذن الله تعالى»، لتكون هذه الكلمات من لدن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وسام شرف يضعه جميع العاملين في تطوير مسيرة دبي التنموية التي انطلقت منذ قرنين من الزمان ولم تتوقف إلا لكي تجدد الوجهة وتحدد المسار الذي يضمن لها مزيداً من الريادة والتطور والنماء.