الشرق الأوسط يشهد مخاض التغيير!

العالم في تغير مستمر ولكن النظام العالمي الذي تأسس وفق ميثاق الأمم المتحدة بُعيد الحرب العالمية الثانية يبقى دون تغييرعلى الرغم من أننا نشهد تغيرات في التوازنات السياسية في هذه المنطقة أو تلك من العالم.

في هذا السياق تبرز منطقة الشرق الأوسط إلى واجهة الأحداث لما لها من أهمية ومساس بمصالح دولية سواء بما تتمتع به من موقع جغرافي تطل فيه على ثلاث قارات أم بما يتوافر فيها من مصادر الطاقة أم بما تضمه من ممرات مائية حيوية أم بما هو مخطط من طرق تجارية استراتيجية تربط الشرق بالغرب تمر عبره، وهذه محاور أساسية لا تبتعد الصراعات الدولية عن مقاربتها.

والحقيقة أن واقع الشرق الأوسط بدأ يشغل اهتماماً خاصاً لدى الغرب الأوروبي منذ بدء الثورة الصناعية كسوق لمنتجاته وأصبح أكثر أهمية مع بدء التحول في استراتيجية الطاقة من الفحم إلى البترول وزادت أهميته بتفجر الأزمات في أرجائه إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية، أزمات أصبحت تدار فحسب دون تقديم حلول حقيقية لمقاربتها لأن بقاءها يشكل مدخلاً لدوام التدخل في شؤونه وتوجيه مساراته بما يخدم استراتيجيات الدول التي رسمت خرائطه.

ليس هناك من تعريف محدد لمصطلح «الشرق الأوسط»، فالمعنى الجغرافي لا يتفق مع المصطلح السياسي مما يتسبب ببعض الالتباسات حين تكون دولاً في أقصى الشمال الأفريقي منشغلة تماماً بقضايا تقع في الشرق الأوسط الجغرافي.

شهدت شعوب هذه المنطقة ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تحديات للتوازنات التي وضعتها اتفاقية سايكس - بيكو عبرت فيها عن الرفض عبر شتى الوسائل عكست فيها بوضوح جوهرها الوطني التحرري لاستكمال سيادتها وتحرير اقتصادها والخروج من التبعية التي فرضت عليها.

إلا أننا ومع مطلع ثمانينيات القرن المنصرم بدأنا نشهد ظهور ميليشيات تفرض حضوراً متزايداً في الفضاء الأمني والسياسي في بعض دول المنطقة، وصار لها سلطة تفوق في بعض الحالات سلطة الدولة القائمة.

ورغم أن هذه الميليشيات تنتمي إلى عدد من الدول إلا أن لها رؤى متقاربة لا تتفق مع رؤى دولها وشعوبها بل تتعارض معها تخوض في ضوئها صراعات جوهرها في الحقيقة أبعد كثيراً عن مضامين شعاراتها المعلنة، فهي صراعات لإعادة هيكلة التوازنات في المنطقة.

يشهد الشرق الأوسط حراكاً سياسياً خطيراً لم يشهده على مدى العقود الأخيرة من السنين، فمنذ ما يزيد على العام فُتحت صفحة دموية غير مألوفة في عالم السياسة، حيث بدأت ميليشيات منظمة ومدربة على القتال تشعل حروباً في عدد من بلدان المنطقة وفي بحارها على الرغم من إرادات دولها وفي تحدٍ جريء للأسرة الدولية.

ومع أن هذه الصراعات تبدو وكأنها ذات أبعاد لا تتعدى تداعياتها توازنات المنطقة السياسية إلا أن ذلك ليس مما يستنتج على المستوى الأوسع من التأمل وعلى المستوى الأعمق من التحليل. فلم تعد الأحداث التي تجري في العالم معزولة عن اهتمامات الدول التي تتجاوز اهتماماتها وتمتد مصالحها بعيداً عن محيطها الإقليمي براً وبحراً وجواً.

لا شك أن جميع دول المنطقة معنية بما يطرأ على التوازنات السائدة فيها من تغيير سواء كان لها دور في إنضاجه وصناعته أم لم يكن لها دور في ذلك، فالشبابيك تطل على بعضها والحضور في جيرة هؤلاء أو هؤلاء يخضع من غير شك لما تمليه المصالح المتبادلة أو التوجسات المقلقة.

ولكن بعض هذه الدول معنية أكثر من غيرها بما يجري خصوصاً إن كان لها دور في إذكائها أو نصيب من التضرر من تداعياتها.

هذه الحروب مآلها الفشل، والأسرة الدولية لن تسمح باستمرارها، فمصالحها تتعارض مع أي تغيير بالمعالم الأساسية لتوازنات المنطقة التي تتميز بعدم السماح ببروز أية قوة إقليمية يمكن أن تنال من النفوذ التقليدي الذي اعتاد الغرب على ممارسته في أرجائها بعد أن أقصيت روسيا منها إثر انهيار الاتحاد السوفييتي.

كاتب عراقي