الحقيقة الوحيدة المؤكدة التي يمكن استخلاصها من تداولات أسواق الأسهم المحلية خلال الأسابيع الماضية هي أن هذه الأسواق غير معبرة عن الواقع الجيد أو المستقبل الواعد للاقتصاد الوطني.

وبخلاف القاعدة المعروفة القائلة إن «أسواق الأسهم مرآة الاقتصاد»، تشهد المؤشرات منذ عدة أسابيع تحركات عشوائية كما لو كانت متحيرة وتبحث عن اتجاه، وذلك بعد أن أصبحت أداة طيعة في أيدي مضاربين يبحثون عن أرباح لحظية سريعة بغض النظر عن الوسيلة أو حجم المخاطرة، وزاد من حدة هذا التوجه انحسار قيم التداولات إلى مستويات متدنية بعدما فضل المستثمرون المؤسساتيون من صناديق استثمار وشركات ومحافظ مالية الانتظار خارج السوق مؤقتاً لحين اتضاح الصورة كاملة، وهو ما تكشفه بيانات التداول الصادرة عن الجهات المعنية.

ويتزامن مع ذلك سيطرة شركات يمكن وصفها بـ«الهامشية» على المشهد، واستحواذها على النصيب الأكبر من التعاملات، وذلك على حساب شركات كبرى في القطاعين المصرفي والعقاري وهما الأكثر تعبيراً - ضمن القطاعات المدرجة- عن مجريات الاقتصاد.

واللافت أنه وفقاً لقواعد التحليل المالي، وفي ضوء نتائج الأعمال الفصلية للشركات القيادية، كان من المفترض أن يستمر المنحى الإيجابي لتحركات الأسهم، مدعومة بالبيانات الإيجابية الصادرة عن جهات معتبرة أبرزها المصرف المركزي التي تؤكد تحسن السيولة وعودة حركة الائتمان للانتعاش وزيادة الودائع وغيرها، ولكن ما يحدث في أسواق الأسهم المحلية من تحركات غير منطقية للتداولات لا يحتاج تحليلاً مالياً أو فنياً، بل يحتاج تحليلاً نفسياً لسلوك المتعاملين وعمليات المضاربة العشوائية.

ويقف علم التحليل المالي عاجزاً أمام تفسير هذه العشوائية في التداولات، فلا توقعات، لا سمح الله، بانكماش وشيك في الاقتصاد الوطني، ولا الشركات المدرجة أعلنت تراجعاً جماعياً حاداً في أرباحها السنوية، ولا صدرت قرارات، مثلاً، بفرض ضرائب على أرباح تعاملات الأسهم.

وحتى الأسباب التي سيقت لتبرير هذه العشوائية، مثل تذبذبات النفط، أو التأثر بالأسواق العالمية، لا تبرر هذا الانحسار في التداولات وترك الساحة خالية للمضاربات غير المدروسة التي تستهدف شركات إما مزدوجة الإدراج وإما محدودة الأسهم المطروحة للتداول الحر، وفي الحالتين غير معبرة عن الواقع الاقتصادي الإيجابي في الدولة.

والسؤال: هل أصبحت الأسواق المالية عبئاً على الاقتصاد الوطني، لا تعبر عنه بشكل دقيق، بل تنقل صورة ذهنية خاطئة خلافاً لما يتحقق من إنجازات تشهد لها المؤسسات العالمية التي رفعت توقعاتها بخصوص معدلات النمو المتوقعة خلال الأعوام المقبلة؟ وهل حان الوقت لتصحيح الاختلالات الهيكلية في هذه الأسواق، وأبرزها غياب شركات مدرجة تمثل القطاعات الرئيسة في الاقتصاد الوطني، تكون أكثر قدرة على التعبير عن مجرياته؟