ليست مصادفة أن يتصدر الصندوق السيادي القطري «جهاز قطر للاستثمار» قائمة أقل الصناديق السيادية في العالم شفافيةً، وفقاً لأحدث تقارير وكالة التصنيف الائتماني العالمية «موديز»، استناداً إلى شح المعلومات عن حجم أصول الصندوق ومكوناته وسيولته.

وهذه الضبابية المتعمدة التي تحاط بها آليات عمل وتوجهات هذا الصندوق، تكشف عن نهج معتمد لدى متخذي القرار في الدوحة في طريقة التصرف في الفوائض والتدفقات المالية الهائلة التي تتمتع بها الدولة - الصغيرة مساحة وسكاناً - صاحبة أكبر احتياطي للغاز في العالم.

وليس سراً أن قطر أنفقت عشرات مليارات الدولارات في العشرين عاماً الماضية على أذرعها الإعلامية الخفية والمعلنة في الداخل والخارج، وهي استثمارات بلا عوائد مالية تذكر، ولكن الدوحة سعت من ورائها إلى تحقيق مكاسب مشبوهة تتكشف تباعاً واحداً تلو الآخر في الوقت الراهن.

هل هي مصادفة، مثلاً، أن تنطلق الجزيرة الرياضية في العام 2003، وتشتري طوال السنوات العشر اللاحقة، حقوق بث البطولات العالمية لكرة القدم بمبالغ خيالية، وبميزانيات مفتوحة، ثم تفوز قطر لاحقاً بتنظيم مونديال كأس العالم 2022، في مفاجأة مدوية، ما زال العالم لم يستوعبها حتى الآن.

وما زالت الأصوات تعلو بين الحين والآخر معبرة عن اندهاشها لحدوث ذلك؟ وهل هي مصادفة أن يحال معظم أعضاء مجلس إدارة الاتحاد العالمي لكرة القدم «فيفا» الذين منحوا قطر هذه البطولة إلى التحقيق بتهم الفساد، ثم يجبروا على ترك مناصبهم، مع توالي الفضائح المدوية، وسط مطالب جادة بسحب حق تنظيم هذه النسخة من الدوحة؟

وإذا كان الاستثمار القطري في قنوات الجزيرة الرياضية، قبل أن يتغير اسمها لاحقاً، آتى أكله سريعاً، أليس من حق المرء أن يتساءل عن نوعية العائد الذي يتوقعه متخذو القرار في الدوحة من استثماراتهم الضخمة في النسخة السياسية من قنوات الجزيرة؟

ربما تتعدد الإجابات، ولكن المؤكد أن قنوات الجزيرة الأم، ومسخها «مباشر» و«الوثائقية» وتلك الناطقة بالإنجليزية، وجميعها طالما تغنت بشعار «الرأي والرأي الآخر» تمارس منذ سنوات طويلة أسوأ أنواع الإعلام الموجه الداعم لتنظيمات مصنفة إرهابية أبرزها جماعة الإخوان المسلمين.

كما أنها داعم رئيس لكل فتنة ممكنة من شأنها تأجيج الصراعات في أي منطقة من الوطن العربي، والأكثر من ذلك هذا الأداء الإعلامي البائس المتزامن مع قرار دول خليجية وعربية مقاطعة الدوحة، فهل كان الهدف من تأسيس الجزيرة قبل أكثر من عشرين عاماً خوض هذه المعركة عندما تتكشف حقائق مخططات الدوحة؟ هل أفسد قرار المقاطعة أياً من المؤامرات التي كانت الجزيرة ضالعة فيها، وتعمل مع آخرين على إنجازها بنفس طويل، وهدوء متقن طوال هذه السنين؟

والسؤال الأهم، هل تبخرت عشرات مليارات الدولارات التي اقتطعها متخذو القرار في الدوحة من ثروات ومقدرات الشعب القطري الشقيق، بعدما تبين أنها تحولت إلى استثمارات بلا جدوى وبلا عائد؟