إذا كان النظام القطري استعان بدول اشتهرت تاريخياً بأطماعها التوسعية، مثل تركيا وإيران واستجلب جيوشها لبناء قواعد عسكرية على أراضيه، ماذا سيفعل في اقتصاده المترنح، وعملته المنهارة التي يتسع نطاق مقاطعتها حول العالم على مدار الساعة؟ هل سيستبدلها بالريال الإيراني أو الليرة التركية؟
الحقيقة أن السلطات الحاكمة في الدوحة أمامها خيارات صعبة ومريرة حال قررت الاستمرار في عنادها ومعاداتها لمحيطها الطبيعي خليجياً وعربياً، فحتى قبل انتهاء مهلة الموافقة على المطالب الخليجية والعربية، وفي مؤشر على الواقع الاقتصادي القطري المتردي، انهار الريال إلى مستويات غير مسبوقة، أمام العملات الدولية الرئيسة، وصولاً إلى 3.81 ريالات للدولار، وهو أقل مستوى للعملة القطرية منذ تثبيتها أمام الدولار في العام 1980، عند سعر 3.64 ريالات، وعلى الرغم من أن الريال شهد تحركات محدودة أمام الدولار طوال هذه السنوات، إلا أن هامش التغير لم يتخط حاجز 1 % صعوداً وهبوطاً، ولكن الأمر مختلف منذ سريان قرار المقاطعة، إذ اتسع هامش الهبوط بشكل حاد، وصولاً إلى 4.7 %، بالتزامن مع رفض بنوك أوروبية وأميركية قبول شراء الريال، وهي نسبة مرشحة للزيادة بقوة خلال الأيام المقبلة.
واللافت أن البنك المركزي القطري يمتنع عن مساندة العملة المحلية حتى الآن، ما يطرح أسئلة عديدة أبرزها: هل «المركزي» غير قادر على المساندة رغم توفر الاحتياطات الأجنبية، بحسب ما يصدر عنه من بيانات، أم أن هناك أولويات أخرى لديه يعتبرها أهم من الدفاع عن العملة الوطنية؟ وما السيناريوهات المتوقعة إذا استمر أمد المقاطعة؟ وما مصير العملة القطرية حال اتخاذ دول مجلس التعاون الخليجي قراراً بتجميد عضوية الدوحة؟
ربما يكون «المركزي» مضطراً خلال الأيام المقبلة لمساندة الريال، وهو ما سيفتح مجالاً واسعاً للمضاربة على العملة القطرية، ستؤدي إلى خسارة عشرات المليارات من الاحتياطيات الدولارية الموجودة في خزائنه، خصوصاً مع اتساع ظاهرة «الدولرة» في السوق المحلية (تحويل الودائع والمدخرات من الريال إلى الدولار)، واستمرار نزوح رؤوس الأموال الأجنبية، وتضاعف عمليات التحويل للخارج التي زادت في يونيو الماضي أي بالتزامن مع بدء المقاطعة بنسبة 300 ٪ حسب صحف قطرية.
وربما يواصل «المركزي» عدم مساندة الريال، وفي هذه الحالة ستصبح العملة القطرية بلا قيمة في الأسواق الدولية، وستتحول إلى عملة منبوذة لا تساوي تكلفة طباعتها، وسترتفع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وربما يتعرض النظام المصرفي كله للانهيار.
وسيكون من ضمن الخيارات المتاحة حينئذ وقف التعامل بالعملة الوطنية، والاستعانة بعملات الدول التي تعتبرها الدوحة «حليفة وصديقة» مثل الليرة التركية، وساعتها سيكون الحديث عن الهوية والسيادة الوطنية كلاماً فارغاً.