رغم استحداثها هيئة اتحادية للضرائب، ورغم قرب تطبيق الضريبة الانتقائية الشهر المقبل، وبعدها «المضافة» مطلع 2018، يبدو جلياً أن دولة الإمارات لن تقبل أن تفقد لقبها كـ«جنة ضريبية»، كما يحلو للمؤسسات العالمية وصفها.
ربما لا تكون الإمارات الجنة الضريبية الوحيدة في العالم، ولكن تركيبة من عوامل عدة، بينها انتهاجها سياسات مالية بعيدة عن مبدأ الجباية أو فرض رسوم مبالغ فيها، يجعلها أكثر جاذبية للشركات العالمية، ورواد الأعمال من ملاذات ضريبية أخرى.
وما يؤكد ذلك، هذا النفي القاطع الذي صدر أكثر من مرة عن كبار المسؤولين المعنيين من أنه لا نية لفرض ضرائب على دخل الأفراد أو الشركات، ولا على الأرباح الرأسمالية، أو التحويلات المالية إلى الخارج، كما تفعل دول متقدمة، توصف بأنها معقل الرأسمالية وحرية الأسواق في العالم.
امتنعت الإمارات طواعية عن ممارسة حقها في فرض هذه الضرائب، مع أنها لو فعلت لن يلومها أحد، ولكنها الرؤية بعيدة المدى التي انحازت إلى دعم الميزات التنافسية المشجعة لتدفق الاستثمارات الأجنبية.
لم تكن مصادفة أن تفرض الضريبتان الجديدتان على الاستهلاك، سواء في ما يخص السلع أو الخدمات، ومن المستبعد، حسب المعلن من وزارة المالية، أن يتأثر بهما قطاع الأعمال الذي سيقتصر دوره على تحصيل إيراداتهما وتوريدها إلى الجهات المعنية، مع التسليم بأن المستهلكين سيتأثرون نسبياً، وسترتفع معدلات التضخم بنسب هامشية.
والسؤال: هل الإمارات في حاجة إلى فرض هاتين الضريبتين أم أن الأمر لا يعدو كونه استكمالاً للبنية التشريعية للاقتصاد الوطني حتى يصل إلى مرحلة جديدة من النضج والنمو المستدام بعيداً عن مفهوم الدولة الأبوية؟
المنطق يقول إنه لو كانت الدولة في حاجة إلى إيرادات ضريبية كان يمكنها اللجوء إلى خيارات أخرى ذات عوائد أعلى، مثل فرض ضرائب على تحويلات المقيمين إلى الخارج والمقدرة بنحو 66 مليار درهم في النصف الأول، أو على أرباح الشركات المقدرة بمئات المليارات سنوياً.
وظاهر الأمور يكشف عن أنه لا يوجد اتجاه في المستقبل القريب لاتخاذ خطوات من هذا النوع، وخصوصاً أن الإمارات بنت سمعتها على مدار عقود طويلة كنموذج يحتذى في حرية السوق وعدم فرضها أي عوائق تعرقل انسياب التجارة أو حركة رؤوس الأموال والاستثمارات منها وإليها.