هل فعلاً انتهت «موضة» الأسهم حينما كان المتعاملون يحققون مكاسب طائلة تقدر بأضعاف رؤوس أموالهم؟ وهل انتهى زمن تحقيق الثروات الطائلة من وراء المضاربة، أم أن ما تشهده الأسواق المالية حالياً مجرد استراحة وسرعان ما ستعاود المؤشرات قفزاتها الصاعدة كما كان الحال في بعض سنوات ما قبل الأزمة؟
والأهم: هل التحركات الحادة صعوداً وهبوطاً أفضل للأسواق وللاقتصاد الوطني وللمتعاملين، أم الأفضل النمو المستدام والتحركات الهادئة المبنية على أسس وأسباب واضحة حتى ولو لم تكن المكاسب مرتفعة؟
ربما تتفاوت الإجابات عن هذه الأسئلة، ولكن هناك بالفعل من هجر - خلال السنوات الماضية - الاستثمار في الأسهم إلى قطاعات أخرى يعتبرها جالبة لـ«راحة البال» لأنها أكثر استقراراً وأقل مخاطرة، أو على الأقل نوَع من محفظة استثماراته في مجالات أخرى مخففاً حصة الأسهم، أو محتفظاً بجزء من أمواله في الأسواق ولكن على هيئة سيولة خاملة تنشط كلما حانت فرص مؤكدة.
وواقع الحال يؤكد أن أسواق الأسهم المحلية ودعت إلى غير رجعة السنوات العجاف المرتبطة بالأزمة المالية العالمية، خصوصاً بعد المكاسب الجيدة التي تحققت منذ غيرت المؤشرات وجهتها الهبوطية عام 2012، ويؤكد أيضاً أن الأسهم حالياً تمر بدورة صعودية على المدى البعيد ربما تطول لسنوات، وأن بعضها، رغم الموجات الصعودية الأخيرة، ما زال رخيصاً بمعايير مكررات الربحية والقيم الدفترية، كما أن أغلب الشركات التي كانت مهددة بالإفلاس أو توقف النشاط تمكنت من إنجاز خطط جيدة لإعادة هيكلة الديون، وتسير الآن بقوة على درب التعافي.
ورغم كل هذه المؤشرات الإيجابية، فإن الأسواق تعاني من شح السيولة وعزوف قطاع عريض من المستثمرين الأفراد والمؤسسات عن التداول، وجزء من ذلك يعود إلى طبيعة الأسواق المحلية غير المرنة، والتي لا تعكس الأداء القوي للاقتصاد الوطني، لأن أغلب قطاعاته غير ممثلة بشركات مدرجة، كما أن بعض شرايين الأسواق ربما تكون تيبست، بعد السنوات العجاف التالية للأزمة، في ظل عدم وجود بضاعة جديدة أو اكتتابات كبرى جاذبة للأموال، كما كان الحال في سنوات انتعاش الأسواق.
ربما لم تنته موضة الأسهم بعد، والأغلب أنها لن تنتهي باعتبارها منفذاً استثمارياً لأصحاب المدخرات، ولكن الأمر يتطلب دراسة معمقة من جانب الجهات المعنية للوقوف على أسباب هذا التراجع الحاد في التداولات اليومية بشكل لا يتناسب على الإطلاق مع إجمالي القيمة السوقية للشركات المدرجة، وكذلك البحث عن حلول وتطبيقها، حتى تتبوأ أسواقنا المحلية المكانة التي تستحقها إقليمياً وعالمياً أسوة بباقي الأنشطة والقطاعات.