في واحدة من أهم الدراسات التي كانت سبباً في اقتناصه جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2017، يكشف الأميركي ريتشارد ثالر أسرار تفضيل قطاع من المستهلكين العلامات التجارية (الماركات) باهظة الثمن حتى في حال توفر نفس المنتج بأسعار أقل وجودة أفضل، ولكن من ماركة أقل شهرة، إذ يؤكد أن بعض الصفات البشرية مثل افتقاد الحد المطلوب من العقلانية، وتطلع بعض الطبقات الاجتماعية إلى الظهور بشكل يفوق حقيقة وضعهم المالي تؤثر بشكل منهجي على القرارات الفردية للمستهلكين، وبالتالي تؤثر أيضاً في توجهات السوق بشكل عام، ومثل هذه الأمور حيّرت لسنوات خبراء التسويق الذين أعياهم البحث في سلوكيات الزبائن وتفضيلاتهم.

وربما تفسر هذه الدراسة الطوابير الطويلة، التي انتشرت لساعات ممتدة أمام متاجر «أبل» حول العالم، وفي دولة الإمارات أيضاً، للفوز والتباهي بالنسخ الأولى من «آيفون x»، إذ كان المشهد أشبه بمستهلكين يتهافتون على شراء سلعة مدعمة أو مجانية، ولكن حقيقة الأمر أن هؤلاء المنتظرين لساعات طويلة في طوابير تمتد أحياناً إلى ما يناهز الألف متر، مستهلكون مولعون بكل ما هو جديد في عالم الهواتف الذكية، ويدفعون عن طيب خاطر ثمن الجهاز الجديد الذي يعد أغلى ما طرحته «أبل» من هواتف طوال 10 سنوات.

ولم يكن هذا المشهد جديداً، إذ يتكرر في كل مرة تطرح فيه الشركة هاتفاً جديداً، فيما عدا «آيفون 8» الذي لم يلق الاهتمام نفسه، لتفضيل المستهلكين انتظار «آيفون x» الذي جرى الكشف عن خصائصه في ذات الوقت.

والمثير للدهشة، أن يخلق هذا الطلب المتزايد على «آيفون x» سوقاً موازية، إذ لجأ البعض ممن وقفوا في الطوابير الطويلة إلى إعادة بيع الأجهزة مجدداً مع الحصول على علاوة سعرية تتراوح ما بين 10 إلى 15% من سعر الرسمي في المتاجر التابعة لـ«أبل» أو منافذ البيع المعتمدة، مستغلين في ذلك «طوابير إلكترونية» طويلة أخرى لهؤلاء الذين سارعوا لحجزه أونلاين، وذلك بسبب تأخر وقت التسليم وامتداده حتى مطلع العام المقبل.

وتبقى «أبل» المستفيد الأكبر من وراء هذه الطوابير الطويلة، إذ تمضي قيمتها السوقية بخطوات ثابتة نحو اختراق حاجز التريليون دولار، لتكون بذلك أول شركة مدرجة في التاريخ تصل إلى هذا المستوى، ولتبتعد بصدارة قائمة أكبر شركات العالم عن أقرب منافسيها من عمالقة النفط والتكنولوجيا والصناعة، والفضل في ذلك يعود لولاء المستهلكين، فهل وصلت الرسالة؟