من الطبيعي أن يتخوف المستهلكون، ويتذمر بعضهم، من ضريبة القيمة المضافة، فهي - في كل الأحوال - بند جديد يضاف إلى مصروفاتهم وتتحمله ميزانياتهم من دون فرص متوقعة في الأفق لزيادة إيراداتهم، وخصوصاً هؤلاء من أصحاب الدخل الثابت إذ لا حديث في الوقت الراهن عن زيادات في الرواتب يعادل، أو على الأقل يحد من أثر الضريبة في ارتفاع تكلفة المعيشة، مع التسليم بأن هذا التأثير يظل محدوداً ويمكن تعويضه بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق وتقليص البنود غير الضرورية.

ومن الطبيعي أيضاً أن يتخوف قطاع الأعمال، أو بمعنى أدق يرتبك، بعد سريان الضريبة، لأن شرائح واسعة منه لم تكن مهيأة بشكل كاف لبدء التطبيق، وكان البعض يعول على إمكانية تأجيل موعد التطبيق تلبية لمطالب تكررت كثيراً في وسائل الإعلام والندوات والمؤتمرات.

ولكن بما أن ضريبة القيمة المضافة أضحت حقيقة ملموسة، وأصبح التعامل معها فعلاً يومياً للمستهلكين من جهة ولمجتمع الأعمال من جهة أخرى، يتوجب سرعة تقييم التجربة بشكل دوري، والتعامل مع ما تنتجه من ممارسات وظواهر في الأسواق، وهو ما يتطلب المزيد من المرونة وسرعة التحرك من جانب الجهات الرقابية لضبط إيقاع العلاقة بين المستهلكين ومنافذ البيع ومقدمي الخدمات.

وخيراً فعلت دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي بإلغائها قرارها السابق باعتماد آلية التعامل مع كسور الدرهم في الفاتورة الضريبية وذلك بتقريب كسور «الخردة» أو فئات الدرهم المعدنية إلى 25 فلساً إذا كانت 10 أو 5 فلوس.

وتستحق الدائرة التحية على شجاعتها في التراجع عن القرار الذي أثار جدلاً واسعاً عند صدوره، واعتبره البعض - في حينه - نموذجاً للانحياز إلى أصحاب الأعمال على حساب المستهلكين، وهذا التراجع فرصة لإعادة الاعتبار إلى العملات المعدنية الصغيرة بتنشيط تداولها مرة أخرى في الأسواق عبر توفير «المصرف المركزي» الكميات اللازمة منها، تجنباً للأثر المتوقع لنقصها أو غيابها في رفع معدلات التضخم على المديين المتوسط والطويل.

ليس صحيحاً أن الضريبة ليست لها منافع تعود على المستهلكين ومجتمع الأعمال، فتطبيقها فرصة لضبط الأسواق، ومعالجة ما يظهر فيها من ممارسات تضر آلية عملها القائمة على تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار.

والمهم هنا أن تستمر الجهات الرقابية والدوائر المعنية في حيادها بعيداً عن الانحياز لأي طرف على حساب الآخر، لضمان التطبيق العادل للضريبة.