من الخطأ اختزال العملات الرقمية أو المشفرة وأشهرها «بتكوين» في كونها فقاعة أو «موضة» سرعان ما ستزول.

ومن الخطأ أيضاً اعتبارها وسيلة سريعة للثراء يقبل عليها المهووسون بالمخاطرة، لأن الأيام الماضية أثبتت أنها عرضة لانهيارات سعرية حادة تجعل الأموال المستثمرة فيها عرضة للتبخر في غمضة عين.

وليس صحيحاً أن العملات المشفرة مجرد وسيلة لغسل الأموال أو تمويل الأنشطة المشبوهة فقط، مع التسليم بإمكانية حدوث ذلك، ولكنها لا تختلف في هذا الأمر عن النقود التقليدية أو غيرها من الوسائل المعتمدة في النظام المالي العالمي «الشيكات، التحويلات البنكية، بطاقات الائتمان وغيرها»، فقبل ظهور بتكوين وأخواتها كانت هذه الجرائم تحدث، فالعبرة هنا بقدرة الأجهزة الرقابية على تتبع المخالفات وليس أداة التمويل.

ولا يعني ذلك بالضرورة أن العملات المشفرة بوضعها الحالي لا تمثل خطراً، ولكن العبرة بكيفية استخدامها وتوظيفها لخدمة الاقتصاد بشكل قانوني.

تتلخص أبرز الانتقادات الموجهة للعملات الرقمية في كونها بلا غطاء وليس لها أصول ملموسة ولا يقابلها التزام من البنوك المركزية التي سارع أغلبها حول العالم بالتحذير من خطورة التعامل بها، ورغم ذلك فإن القيمة السوقية للعملات المشفرة الست بلغت في منتصف الشهر الجاري نحو 125 مليار دولار تمثل نحو 2.5 % من قيمة النقود المتداولة عالمياً والبالغة 5 تريليونات دولار طبقاً لبيانات بنك التسويات الدولية، وهذه نسبة لا يستهان بها إذا أخذنا في الحسبان حداثة عهد هذه العملات التي يعود إلى 2009.

والمؤكد أن هناك طلباً حقيقياً على هذا النوع من العملات، لأنه يسد فراغاً لم تفلح الوسائل التقليدية في سده، وخصوصاً مع التطورات المتلاحقة في تكنولوجيا «بلوك تشين» التي تعتبر فتحاً جديداً في مجال التكنولوجيا المالية من شأنه إحداث تغيير شامل في النظام المالي التقليدي، يشبه إلى حد كبير ما أحدثته «الإنترنت» في حياتنا منذ ظهورها في الربع الأخير من القرن الماضي.

والأفضل أن تسارع البنوك المركزية حول العالم إلى احتواء هذا الفتح التكنولوجي الجديد بدلاً من الاكتفاء بالتحذير منه، وخيراً فعلت عدد من الحكومات حول العالم بإعلانها إصدار عملات رقمية خاصة بها، مثل تلك التي أعلن عن دراسة إصدارها مصرف الإمارات المركزي بهدف تحسين وتفعيل كفاءة المعاملات بين الإمارات والسعودية، وهذه بداية جيدة سيتبعها بالتأكيد خطوات أكثر تطوراً.

الخلاصة أن: العملات المشفرة ليست شراً مطلقاً، ولكنها تطور جديد في تاريخ البشرية يجب تطويعه لخدمة الإنسان، وإلى هذا الحين على المهووسين بحلم الثراء السريع البحث عن ملاذٍ آخر حتى لا تتبخر مدخراتهم.