لم تكن مشاركة الإمارات في المنتدى الاقتصادي العالمي في دورة هذا العام عادية، لا كماً ولا نوعاً، فأكثر من ثلث وزراء الحكومة شاركوا في أعمال المنتدى الذي تحتضنه سنوياً بلدة "دافوس" الواقعة في جبال الألب السويسرية، ويشارك فيه قادة العالم من رؤساء الدول جنباً إلى جنب مع كبار المؤثرين في المشهد العالمي من علماء ومفكرين ورجال أعمال وغيرهم، ما يجعله يستحق لقب "منتدى العالم".
وبالتزامن مع مشاركتها في أعمال المنتدى هذا العام بوفد رفيع يضم 12 وزيراً وعدداً كبيراً من المسؤولين ورجال الأعمال، اختارت الإمارات أن تكون مساهمتها في "دافوس" ملهمة، إذ أبرمت اتفاقية تعاون لإنشاء مركز الثورة الصناعية الرابعة على أراضيها بغرض تعزيز ريادتها وأسبقيتها خليجياً وعربياً وعالمياً في استشراف آفاق المستقبل.
وتطوير الأدوات والحلول لتحدياته، وأيضاً لدعم توجهات الدولة في إعداد جيل من المتخصصين والخبراء في مجالات الثورة الصناعية الرابعة، وسعيها إلى تعميم وعولمة المعرفة الخاصة بأدواتها وتقنياتها المتقدمة التي تشهد حالياً إنجازات علمية غير مسبوقة وانتشاراً غير مسبوق على الصعيد العالمي.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تخطاه إلى الاتفاق مع "المنتدى" على تفعيل بروتوكول الثورة الصناعية الرابعة الذي طورته حكومة الإمارات، لتكثيف الجهود المشتركة، ووضع الأطر الناظمة والمعززة لتطبيق البروتوكول ومحاوره، والمعروف أن هذا البروتوكول آلية عمل عالمية هادفة إلى خير الإنسان، طورتها الدولة لتؤسس بيئة بيانات ضخمة متكاملة وآمنة لتحفيز الثورة الصناعية الرابعة، ومواجهة التحديات التي من المتوقع أن يفرضها الانتشار المتسارع لتقنيات وأدوات هذه الثورة التكنولوجية.
وليس خفياً على أحد أن مستقبل البشرية يتوقف حالياً على كيفية تطويع الثورة الصناعية الرابعة لخدمة الإنسان، لأن تقنيات هذه الثورة من تطبيقات الذكاء الصناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها تعد أحد أهم التحولات التكنولوجية التي يشهدها العالم في ظل التغيرات المتسارعة، إذ ينتظر أن تُحدث تغييراً في جميع مجالات الحياة.
وفي مقدمتها أسواق العمل والعلوم والطاقة والمجتمع والسياسة والاقتصاد، بشكل يفوق تأثير سابقاتها من الثورات الصناعية، ما يجعلها ثورة تكنولوجية بامتياز، تدمج كل التقنيات المادية والرقمية والحيوية، لإنتاج خدمات ومنتجات غير مسبوقة في قطاعات جديدة لخدمة البشرية.
ومن هنا يتضح جلياً أن الإمارات تتخطى حدودها الجغرافية والإقليمية للمساهمة في رسم مستقبل العالم، وليس أدل على ذلك من المكانة البارزة التي تتبوأها الدولة حالياً في عدد من المؤشرات الدولية المعلن عنها ـ بالمصادفة ـ بالتزامن مع انعقاد منتدى "دافوس"، إذ اقتنصت المركز الأول على مستوى العالم في «الاختلاف والتميز»، فيما حققت المركز العاشر في كيفية التعبير عن قوتها في الساحة العالمية، وذلك ضمن تقرير أفضل تصنيفات الدول للعام 2018، الذي يضم في قائمته 80 دولة.
وسبق الإعلان عن تحقيق هذا الإنجاز، إحراز المركز الأول إقليمياً، و17 عالمياً في تقرير مؤشر تنافسية المواهب العالمي، الصادر عن كلية إدارة الأعمال الدولية «إنسياد» في فرنسا، وذلك بالتزامن مع إحراز المركز الثاني عالمياً في مؤشر «ثقة الشعب في الحكومة» الصادر عن مؤسسة إدلمان.
وليست هذه الإنجازات بالأمر المستغرب في دولة تعتبر «المواطن أعز ما تملك»، وتسعى إلى تنمية قدرات ومهارات أبنائها بكل الطرق، تمهيداً لتحقيق هدفها الأسمى بأن تصبح واحدة من أفضل دول العالم بحلول مئوية الإمارات عام 2071، وهو هدف، لو تعلمون، أصبح قريب المنال.