لو تخيلنا أن هناك طفلين ولدا معاً لنفس الأبوين وعاشا في الظروف ذاتها، أيهما سيكون أكثر نجاحاً ونفعاً لنفسه ومجتمعه في المستقبل؟

الأول تركت له أسرته وديعة مصرفية بالملايين تعينه على ضرورات الحياة في المستقبل من دون أن تولي أمر تعليمه الاهتمام الكافي، والثاني خططت أسرته أن تستثمر فيه نفس قيمة الوديعة وتنفقها على تعليمه وتأهيله وتثقيفه وفقاً لأحدث المناهج والأساليب العالمية، وفي مدارس وجامعات مشهود لها بالكفاءة.

ما النتيجة المتوقعة عندما يبلغ الاثنان رشدهما ويبدآن في المستقبل شق طريقهما في الحياة العملية؟ هل الأفضل أن نؤهل أولادنا ونسلحهم بالعلم، أم نترك لهم ثروة من أموال وعقارات وغيرهما من دون أن يكون لأمر تعليمهم القدر نفسه من الاهتمام الذي نصبه على ادخار ما نستطيع إليه سبيلاً من أموال نرى أنها ستعينهم على تقلبات الزمان، وما يمكن أن يواجهوه في المستقبل من تغيرات؟

المؤكد أن النتيجة معروفة سلفاً، لأن الاستثمار في الإنسان يثبت دائماً أنه الأعلى عائداً مقارنة بغيره، ربما يكون أطول أمداً ونتائجه بطيئة، ولا تظهر في المدى القريب، لكنه استثمار مضمونة عوائده. والأمم تكون غنية بأبنائها وليس بما تملكه من ثروات فقط، والإنسان هو من يصنع المال والثروة، وليس العكس.

ولهذا تحتفي دولة الإمارات طوال فبراير الجاري بأكمله بـ"شهر الإمارات للابتكار" الذي يعد أكبر حدث وطني يحتفي بالمبتكرين من مختلف الأعمار وفي القطاعات كافة وعلى مستوى الدولة، وذلك بهدف تحويل الإمارات إلى مختبر عالمي مفتوح للسياسات، والبرامج ونماذج العمل المبتكرة، تعزيزاً لثقافة الابتكار وترسيخها كمنهج عمل دائم.

وليس من قبيل المصادفة أن الدول الأكثر استثماراً في أبنائها وأكثر إنفاقاً على التعليم هي أيضاً، الأكثر تقدماً وقوة وتأثيراً، ولذلك نلاحظ مدى الاهتمام بالمخترعين والمبتكرين وأصحاب المبادرات والأفكار الخلاقة من مختلف الأعمار وفي كل مكان على مستوى الدولة.

والمعروف أن نماذج التنمية في الدول الغنية بالموارد الطبيعية، غالباً ما تشهد خلطاً بين النمو الاقتصادي الذي يستهدف زيادة الناتج الإجمالي من السلع والخدمات وغيرها، وبين نموذج التنمية الاقتصادية بمفهومها الواسع، الذي يشمل، إضافة إلى الاهتمام بمعدل النمو الاقتصادي الرقمي والكمي، أبعاداً أخرى إنسانية واجتماعية وثقافية، أي يهتم بالاستثمار في البشر، توازياً مع اهتمامه بتنمية الموارد وحسن إدارتها، واستثمار عوائدها بالشكل الأمثل.

ولكن هذا الخلط لا تعرفه دولة الإمارات، إذ إن النموذج التنموي الذي تتبناه، لا يركز فقط على رفع معدلات النمو الاقتصادي، ولكنه يمتد أيضاً إلى العقول البشرية والمجتمع والسياسات الحكومية المستقبلية، إيماناً من المخططين بأن تطوير الإنسان والاستثمار فيه، هو العملة العالمية الرائجة لاقتصادات المستقبل.

إن الدولة تقطع خطى واثقة وحثيثة في تنفيذ استراتيجية ما بعد النفط والرامية إلى التحول بسواعد أبنائها إلى واحدة من أهم مراكز اقتصاد المعرفة والذكاء الصناعي و"البيانات الضخمة" وغيرها، وهي المحددات التي تقوم على الاستثمار في البشر أولاً وسيقاس بها تقدم الأمم في المستقبل.