كل أسرة تسعى جاهدة لتحقيق سعادة ورفاهية أبنائها، بغض النظر عن الصعوبات التي قد تواجهها، لكن حين تصبح العملية عكسية من خلال اهتمام وتقدير الأبناء لوالديهم في أصعب الظروف والمواقف التي تواجههم، تدرك تماماً أن البذرة الطيبة قد غُرست في الأبناء بالشكل الصحيح، ليغدوا اليوم عوناً وسنداً يضيء دروب الوالدين في أشد وأصعب الظروف.
من القصص الملهمة التي تعكس هذا الترابط، هي قصة الأسرة التي يتحدث ويتناقش جميع أبنائها بلغة الإشارة ليتمكن والدهم من فئة الصم من فهمهم والتفاعل معهم، ولقد تحقق ذلك بنجاح بفضل حرص واهتمام الأم منذ صغرهم أن تقوم بعملية الترجمة لأبنائها حتى يتمكنوا من فهم الأب الأصم، ولتصبح لغة الإشارة هي اللغة الأساسية والرسمية في العائلة، بلا شك أجبرت حالة الأب الأصم جميع أفراد العائلة على إتقانها بحب، حتى أصبحت هي اللغة الدارجة والمهيمنة لا شعورياً تحت سقف هذا المنزل.
لقد عملت الأم كرئيسة في مجال الصم والبكم وعلمت جميع أبنائها هذه اللغة ليسهل عليهم عملية التواصل مع والدهم الأصم في المقام الأول، والذي ساعدهم تباعاً أن يمارسوا عمل الترجمة بحرفية في مختلف الدوائر والقطاعات الإعلامية والتلفزيونية.
وفي أحد اللقاءات، عبّرت ابنة الرجل الأصم عن اعتزازها بوالدها، مشيرة إلى أن إعاقته السمعية لم تكن يوماً عائقاً أمام إنجازاته أو تأثيره في حياتهم. ووصفت الحب والسلام الذي عاشته معه، وأكدت أن مشاعرها تبلغ ذروتها حين يأتي والدها لزيارتها بعد أي إنجاز تحققه، مشجعاً إياها بفخر واعتزاز، مما يعكس حبه واهتمامه ودعمه المستمر.
هذا الأب رغم مسيرته المتفردة وإنجازاته الصامتة، كان بشوشاً ومحباً للحياة، ولم يكن الصمم بالنسبة له سبباً بأن يكون متشائماً أو غير ناجح، بل كان دائماً نموذجاً للإيجابية ومتفائلاً ومقبلاً على الحياة وراضياً بكل ما قدره الله له.