في عصرنا هذا لم تعد مساحة الوطن تقاس بعدد الكيلومترات المربعة التي تتشّكل منها الدولة، أي دولة، فدولة كالإمارات نراها بلداً كبيراً علمه مرفوع في نيويورك وفي باريس ولندن وموسكو وبكين والرياض، تسمع ألسنة الخير تنطق بذكر الإمارات في مقديشو وعدن والخرطوم والقاهرة وإسلام أباد، في الرباط وعمّـان، في مخيمّات النازحين بالبقاع ومريجيب الفهود وكوكس بازار.
صحيح أن كل الدول معرّضة للمخاطر والأزمات والمؤامرات وعندها يبرز دور القادة في معالجة المشكلات الداخلية وإحباط المؤامرات الخارجية، ولم تكن دولتنا بمنأى عن المخطّطات الخبيثة التي كانت تنسجّ بنـوْل تنظيم الإخوان الإرهابي خارج حدود الوطن ليلبَسها بعض من سوّلت لهم أنفسهم عباءة لفعل الخيانة الذي لا يغتفر بكل قواميس العصور والدول، هو تنظيم «خيانة الوطن» كما يسّميه عبد الرحمن بن صبيح السويدي العضو السابق في التنظيم والعائد إلى حضن الوطن.
لم تتجاوز المقابلة التي أجريتها مع السويدي نصف الساعة لكن في إجاباته عبراً ودروساً كثيرة ومؤثّرة، لقد خَبِر تنظيم الإخوان الإرهابي من الداخل بكل قيحه وعفنه، واليوم بات يريد أن يحذّر من مخاطره وشراكه الخبيثة، يقول السويدي إن الأفراد الذين ينتمون للتنظيم يغيّبون عن الأجندات الرئيسية ويعطون مهمّات تنفيذية فينطلقون لتنفيذها، ولو أنهم علموا ما يمكن أن يؤدي إليه مجموع الأدوار التي أوكلوا بها والتي هي بالمحصّلة ضد الوطن فسينقلبون على التنظيم لكنّهم مغيّبون كلٌّ في موقعه ولا يعلمون أنهم مسيّرون من طرف جهات خفيّة في التنظيم العالمي.
صحيح أن التنظيم ورغم كل مساعيه في فترة الاضطرابات التي سادت المنطقة لم يتمكّن من تجنيد سوى قلّة قليلة، لكنّ ذلك شكّل لنا كمجتمع إماراتي صدمة كبيرة، وهذا ليس كلاماً عاطفياً بل يستند إلى الواقع والمنطق، فقيادتنا تولي بناتها وأبناءها الأولوية في كل مشاريعها وجل اهتمام حكّامنا هو سعادتنا ورفعة وطننا، حتى أضحت الدولة واحدة من أكثر دول العالم تطوراً في البنية التحتية والخدمات والعمران، ومواطنها يحتل المرتبة الأولى عالمياً على مؤشر السعادة وكثير من مؤشرات التنافسية العالمية.
إن دولة بذلت الغالي والنفيس لمساعدة الأشقاء والجيران، وأغاثت الملهوفين والمتضرّرين في مشارق الأرض ومغاربها ليس غريباً عن قيمها أن تبقي بابها مفتوحاً لأبنائها الذين ضلّوا طريق الصواب وتآمروا على شعبها وأمنها واستقرارها علّهم يعودوا إلى سبيل الهداية والرشاد.
وفي حين يذهب بعض المراقبين إلى تسمية عقدنا الذي نعيش فيه بـ «عهد انهيار الدول الوطنية» ومشاهد ذلك كثيرة على شاشاتنا، ظلّت دولة الإمارات قلعة حصينة بفضل حكمة قيادتها وصواب رؤيتها وحفاظها على منجزاتنا الوطنية، واستطاعت بحزمها وحلمها أن تبقي دولتنا سبع واحات للخير والعطاء وأن تبعد عنّا الرمال المتحرّكة التي لا تبقي ولا تذر.