أتمنى أن يسمح لي الدكتور علي بن راشد النعيمي، في استعارة عنوان كتابه الأخير «الدولة الوطنية»، وأن أعنون به هذا المقال، لما في هذا الموضوع من أهمية كبرى في فترة أشد ما نحتاج إلى التمسك بمبادئ الدولة الوطنية في مواجهة كل من يحاول أن يجرّنا إلى ما يدعو له من انتماءات جُلها لخدمة مصالح شخصية أو جماعات وأحزاب.
«كيف يمكن أن نحصّن فكر شبابنا ونحمي عقولهم من الأهواء النفسية والحزبية والدينية»، سؤالٌ توجهت به في إحدى المحاضرات التي ألقاها الدكتور علي راشد النعيمي في اليوم العالمي للشباب، وكنت قد عنيت الأهواء فعلاً، لأن ما نراه من كثير من الداعين للخروج عن العقل، ما هو إلا هوى نفس لا يمت للمنطق بصلة، والنتيجة هو استدراج الشباب لمنزلق التشدد والتطرف لصالح الدرب الخطأ.
يتحدث النعيمي في كتابه عن أن الانتماء الوطني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقف ضد أي انتماء آخر، ما دام ذلك وفق القانون الذي يحكمنا، فما يميز الدول الحضارية أنها تحتكم للقانون دون أي شيء آخر، ولا أحد فوق القانون، وما يميز المجتمعات المتماسكة والمستقرة أنها تغلّب مصلحة الوطن قبل المصالح الشخصية، وهذا هو بيت القصيد.
تكمن أهمية تمسك الفرد بانتمائه الوطني في خلق جو من الاستقرار على مختلف المستويات.. استقرارٌ يبدأ من المنزل ثم الحي فالمنطقة والمدينة لينتهي باستقرار يشعر به كل من يعيش على أرض الوطن، بل تنتشر مشاعر الانتماء الوطني بين المقيمين وأحياناً السياح، فتلك طاقة إيجابية تترجمها الأفعال والأقوال، ويشعر بها الجميع لتصبح شعاراً لحياتنا اليومية.
وفي الوقت الذي استقرت فيه كثير من الدول بكيانها السياسي منذ مئات السنين، لا تزال منطقتنا العربية تعاني من السباحة في المجهول، مما أثر على فِكر الشباب في العديد من دول المنطقة وضياع هويتهم الحقيقية، فهل هم أفراد ينتمون لدولٍ ذات كيان حقيقي يحكمها القانون وتُمارس الحياة الطبيعية بكل أريحية، أم ما زالوا ينتمون لحزب أو طائفة أو قبيلة، هل هم أقوياء بدولهم التي يفخرون بالانتماء لها، أم أنهم ما زالوا ضعفاء بمحاولتهم البحث عن منظومة اجتماعية أو سياسية ينتمون لها، لا يعلمون ما ومن وراءها، وإلى أين هي ذاهبة.
مصر كمثال، حاولت جماعة إرهابية اختطاف شبابها من انتمائهم وولائهم لوطنهم، إلا أن مصلحة الوطن أجبرت شباب مصر وأهلها على لفظ تلك الجماعة، ليقولوا للعالم أجمع بأنهم مصريون لا حزبيون، وذلك فضلاً عن التجربة الفريدة في السعودية والإمارات، اللتين وضعتا بإخلاص شبابها «بطاريات باتريوت» فكرية على حدودها، فلم ولن يستطيع أحد أن يؤثر في شباب مخلصين لا يجدون غير وطنهم حضناً، ولا يعرفون غير قادتهم قدوة حسنة يقتدون بها في أعمالهم وتصرفاتهم.